فصل: النظر الثالث: فيما يترتب على الجناية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الثالث‏:‏ فيما يترتب على الجناية

وهو ثمانية آثار‏:‏

الأثر الأول‏:‏ القصاص، والبحث عن‏:‏ محله، وشروطه، وكيفيته، ومن يتولاه، فهذه الأربعة أبحاث‏.‏

البحث الأول‏:‏ في المحل، وهو أربعة‏:‏ النفس، والعضو، والمنفعة، والجرح‏.‏

المحل الأول‏:‏ في النفس، وأصلها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له‏)‏‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ يقتل الصحيح بالسقيم الأجذم الأبرص المقطوع اليدين والرجلين، وإنما هي النفس؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏)‏ وشرع من قبلنا شرع لنا، والرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، وفي الجراح بينهما القصاص‏.‏ قال اللخمي‏:‏ تقتل المرأة بالرجل، وليس على أوليائها فضل دية الرجل، ويقتل البالغ بالصغير، والعاقل بالمجنون، ولا يقتص منهما؛ لأن القصاص عذاب لا يثبت إلا مع التكليف؛ فعمدهما خطأ، فإن جن بعد القتل ولم يفق‏:‏ قال محمد‏:‏ إن أيس منه فالدية في ماله، وقال المغيرة‏:‏ يقتص منه نظرا لحالة الجناية، وإن ارتد ثم جن لم يقتل؛ لأن حقوق العباد أقوى‏.‏ قال‏:‏ وهو بين؛ لأنه يأخذ حقه ناقصا، كما يقتل العبد بالحر، ولا يقتل الحر بالعبد، ولا المسلم بالنصراني في قتل ولا جرح، ويقتص من العبد والنصراني في النفس؛ لأن الدني يقتل بالأعلى بخلاف العكس‏.‏ واختلف في الجرح‏:‏ فعن مالك‏:‏ لا يقتص منهما فيها، وعلى القصاص قياسا على النفس، وعنه‏:‏ منع القصاص في العبد دون النصراني؛ لأن العبد يسلم، والنصراني لا يسلم، وفي ذلك تسليط عن المسلمين، يقلع عين المسلم ويعطيه دراهم، ويعينه أهل جزيته، وقال ابن نافع‏:‏ يخير المسلم في القصاص والدية،

والقصاص بين العبيد كالأحرار في النفس والجرح، والذكران والإناث سواء؛ لأن الحق للسيد في القصاص وأخذ العقل، ومن فيه علقه رق كالقن من المكاتب والمدبر وأم الولد، واستحسن أن يقتص من المعتق بعضه للقن، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏يرث هذا بقدر ما أعتق منه، ويعقل هذا بقدر ذلك‏)‏ ولا يقتص من العبد المسلم للحر النصراني؛ لشرف الإسلام لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ألا لا يقتل مسلم بكافر‏)‏ واختلف في القصاص له من النصراني، أثبته أشهب بغلبة الإسلام على شائبة الرق، ونفاه سحنون للرق، وعلى الأول اختلف في الخيار للسيد فنفاه ابن القاسم‏.‏ وقال‏:‏ لا يعفو عن الدية كالحر يقتص أو يعفو على غير شيء، وقال محمد‏:‏ له أخذ الدية؛ لأنه أتلف ماله، ويقتص للنصراني من النصراني، ومن اليهودي في النفس والجراح إذا دعا لذلك أولياء المقتول؛ لأنه تظالم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قتل نفر امرأة أو صبيا، قتلوا لاشتراكهم في السبب، أو عبدا أو ذميا غيلة، قتلوا به؛ لأن حق الله تعالى في درء المفاسد والحرابة، وإن قتل مسلم كافرا عمدا، ضرب مائة وحبس عاما، أو خطأ، فديته على عاقلته، أو جماعة فالدية على عواقلهم‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ يقتل النصراني بالمجوسي، ويقتل المجوسي به وباليهودي، وإن قتل مسلم ذميا فديته على عاقلته، أو جماعة، فالدية على عواقلهم، وإن شهد عدل أن مسلما قتل نصرانيا عمدا‏؟‏ فعن مالك‏:‏ يحلف المشهود عليه خمسين يمينا، قال أشهب‏:‏

ويضرب ويحبس حلف أم لا، وعنه وعن ابن القاسم‏:‏ يحلف ورثة الذمي يمينا، كل واحد منهم، ويأخذ من ديته ويضرب ويحبس‏.‏ قال محمد‏:‏ وهو أحب إلينا إن كان بقول النصراني حلف المدعى عليه خمسين يمينا، ولا يضرب ولا يحبس، فإن جرحه فمات من جرحه‏.‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ يحلف ولادته يمينا واحدة ويستحقون الدية؛ لأنه لا قسامة لهم‏.‏ قال مالك‏:‏ إن جرح مسلم عبدا أو نصرانيا فأنفذ هذا، وعتق هذا، وقال‏:‏ دمي عند فلان وللنصراني أولياء مسلمون وللعبد أولياء أحرار، أقسموا مع قوله، واستحقوا الدية في مال الجاني‏.‏ قال المغيرة‏:‏ إن قتل نصراني نصرانيا فخاف الجاني فأسلم قتل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن قتله جماعة، فللولي قتل من أحب، أو العفو، أو الصلح، وإن عفا المقتول عن أحدهم فللوارث قتل الباقي، لأنه حقه، كما لو أبرأ من بعض الدين، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ ومشهور أحمد، وعنه وعن جماعة من التابعين والصحابة‏:‏ عليهم الدية، وعن الزهري وجماعة‏:‏ يقتل منهم واحد، وعلى الباقي حصصهم من الدية؛ لأن كل واحد مكلف له، فلا يستوفي أبدال في مبدل واحد، كما لا تجب ديات، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏الحر بالحر‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏النفس بالنفس‏)‏؛ ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد، فالعود أولى‏.‏ لنا‏:‏ إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن عمر رضي الله عنه قتل تسعة من أهل صنعاء برجل، وقال‏:‏ لو تمالأ عليه أهل صنعاء ؛ لقتلتهم، وقتل علي رضي الله عنه ثلاثة، وهو كثير، ولم يعرف لهم مخالف في ذلك الوقت، ولأنها عقوبة كحد القذف، ويفارق الدية لأنها تتبعض دون القصاص؛ ولأن الشركة لو أسقطت القصاص وجدت ذريعة للقتل، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وأحمد في عدم القصاص بين المسلم والذمي، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقتل المسلم بالذمي‏.‏ لنا‏:‏ ما في البخاري‏:‏ ‏(‏لا يقتل مسلم بكافر‏)‏ احتجوا، بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا‏)‏ وهو مظلوم، وبقوله تعالى‏:‏ ‏(‏النفس بالنفس‏)‏ وسائر العمومات‏.‏ والجواب عن الجميع‏:‏ بأن دليلنا خاص فيقدم على العمومات، وخالفنا ‏(‏ح‏)‏ في قتل الحر بعبد الغير‏.‏ وقال الثوري‏:‏ يقتل بعبده وعبد غيره، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وأحمد‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى ‏(‏الحرب بالحر والعبد بالعبد‏)‏، والقصاص لغة‏:‏ المماثلة، ولا مماثلة، وقاله الصديق وعلي رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة‏.‏ وقال علي رضي الله عنه‏:‏ السنة أن لا يقتل الحر بالعبد؛ ولأنه مال كالبهيمة‏.‏ احتجوا بالعمومات وما ذكرناه أخص فيقدم، وعندنا يقتل الوالد بولده إذا تحققنا قصد القتل، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقتل‏.‏ لنا‏:‏ العمومات‏.‏ احتجوا بما روي عن

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يقتل والد بولده‏)‏ والجواب‏:‏ منع الصحة‏.‏ ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في القصاص في المثقل ومنع ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ العمومات، وفي البخاري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتص من اليهودي الذي قتل الجارية بالحجر‏)‏، ‏(‏وكونه اقتص بالحجر يدل‏)‏ على أن القتل لم يكن إلا قصاصا لا نقضا للعهد كما يتأوله الحنفية‏.‏ احتجوا‏:‏ بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا قود إلا بحديدة‏)‏ وبقوله عليه السلام في الصحيح‏:‏ ‏(‏إن في قتيل العمد الخطأ؛ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن معناه‏:‏ لا يقتص إلا بالسيف، والنزاع في القتل الأول، ولم يتعرض له الحديث‏.‏

عن الثاني‏:‏ هو محمول على مثل قتل المدعي ابنه، فيكون فيه العمد من جهة قصد الضرب، والخطأ من جهة شفقة الأبناء، فيجتمع الشبهان فيكون عمدا خطأ، ونحن نقول به وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ في قتل الممسك وقالا‏:‏ يقتل القاتل وحده‏.‏ لنا‏:‏ العمومات المتقدمة، وقول عمر رضي الله عنه‏:‏ لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم، ولا ممالأة أتم من الإمساك، وقياسا على الممسك للصيد على المحرم فإن عليه الجزاء، أو على المكره‏.‏

المحل الثاني‏:‏ العضو، وفي الكتاب‏:‏ إن قطع جماعة يدا، قطعت أيديهم

كلهم، وكذلك العين، وإن قطع يده من نصف الساعد اقتص منه، ‏(‏أو بضعة من لحمه، اقتص منه‏)‏؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والجروح قصاص‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏العين بالعين‏)‏ ولا قود في اللطمة‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ويقاد في ضربة لسوط، وعن مالك‏:‏ لا قود فيها كاللطمة، بل الأدب؛ لعدم الانضباط، وإن فقأ عين جماعة اليمنى وقتا بعد وقت، ثم قاموا، فقئت عينه بجميعهم، وكذلك اليد والرجل كالنفس، وإن قام أولهم أو آخرهم، فله القصاص؛ لثبوت حقه، ولا شيء لمن بقي للتعذر، وكذلك لو قتل رجلا ثم رجلا فقتل، فلا شيء عليه للثاني‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن قطع يمينه فذهبت يد القاطع بأمر سماوي، أو سرق فقطعت، فلا شيء للمقطوع يده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن قطعت يد القاطع خطأ وقد قطع عمدا، فديتها للمقطوع الأول؛ لأنها بدل اليد، أو عمدا اقتص من قاطع قاطعه؛ لأنه أتلف المحل، ويده بدله، كمن قتل قاتله، فديته لأولياء المتقول الأول، ويقال لأولياء المقتول الآخر‏:‏ أرضوا أولياء الأول، وشأنكم بقاتل وليكم، وإلا فلأولياء الأول قتله أو العفو، ولهم عدم الرضا بما بذلوا لهم من الدية أو أكثر، ومن حبس للقصاص ففقأ رجل عينه أو جرحه، فله القود في العمد، والدية في الخطأ والعفو، ولا شيء لولاة

المقتول في ذلك كله، وإنما سلطناهم على من أذهب نفسه؛ لأنها المستحقة لهم، وكذلك لو حكم القاضي بقتله وأسلمه إليهم فقطع رجل يده عمدا، فله القصاص‏.‏ ومن قطعت يده عمدا، أو قد قتل وليك، فله القصاص منك، أو خطأ حملته عاقلتك، وتحمل عاقلة القاتل ما أصاب من الخطأ أو كسر من بعض سن ففيه القصاص برأي أهل المعرفة‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن قلع عين رجل، ففقأ آخر عين الفاقئ، ومات الفاقئ الثاني، فلا شيء للمفقوء الأول لفوات المحل‏.‏ وإن قطع يده من المنكب، وقطعت يد القاطع من الكف‏:‏ فللأول قطع كف قاطع قاطعه، أو قطع يد قاطعه من المنكب؛ لأنه بقية حقه، وإن قتل قاتل وليه قبل وصوله للإمام فلا شيء عليه غير الأدب؛ لجنايته على حق الإمام ولئلا يتجرأ الناس على الدماء‏.‏ قال اللخمي عن مالك‏:‏ إذا قتله خطأ لا شيء لأولياء الأول، والدية لأوليائه بفوات المحل، والدية مرتبة على الفوات، ولم يختلف أن لأولياء الأول أن يقتلوه دون أولياء الثاني، أو يعفوا عنه على مال يكون عندهم‏.‏ وعن عبد الملك‏:‏ لأولياء الثاني دفع الدية لأولياء الأول، ويقتص لنفسه، وما في الكتاب أحسن؛ لأن ولي الأول استحق دمه فله القصاص أن لا يرضى بعوض المثل؛ لأنه مبايعة، فإن قطع يدا عمدا فقتل القاطع خطأ أو عمدا، فصالح أولياءه على مال‏:‏ قيل لا شيء لمن قطعت يده؛ لأن المأخوذ عن النفس‏.‏ وقال محمد‏:‏ للمقطوع يده حقه من ذلك؛ لأن النفس مشتملة على الأعضاء، فإن قطعت يده من الكف، وقد قطع من المنكب‏؟‏ ففي الموازية عن ابن القاسم‏:‏ اقتص المقطوع

الأول من قاطع قاطعه من الكف، ولا شيء على قاطعه، أو يقطع قاطعه من المنكب، ويخلي قاطعه بينه وبين قطع كفه‏.‏ قال محمد‏:‏ بل الأول أحق بقطع كف القاطع الثاني، ثم يقطع ما بقي له من منكب قاطعه؛ لأنه مستحق جميع ذلك العضو‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ كل شخصين يجري بينهما القصاص في النفوس في الجانبين يجري في الأطراف وإن كان أحدهما يقتص منه ‏(‏الآخر ولا يقتص الآخر منه‏)‏ في النفس، ‏(‏قال مالك في الكتاب‏:‏ وإن كان أحدهما يقتص منه في ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ كالعبد يقتل بالحر، والكافر بالمسلم، ولو قطع العبد أو الكافر الحر المسلم، لم يكن له أن يقتص منهما في الأطراف في ظاهر الأمر؛ لأن الأصل في القصاص‏:‏ المساواة، خالفناه في النفس لعظمتها، بقي الأصل في الأطراف على قاعدته‏.‏ وخير ابن عبد الحكم المسلم في القصاص وأخذ الدية‏.‏ قال الأصحاب‏:‏ والصحيح‏:‏ أن له القود، ولا يشترط في القصاص في الأطراف التساوي في البدن، وإن اشترط التساوي في المنفعة، فيقطع يد الرجل بالمرأة، ولا تقطع السليمة بالشلاء، ولا يشترط التساوي في العدد، بل الأيدي واليد عند تحقق الإشتراك بأن يوضع السكين على اليد ويتحاملوا كلهم عليها حتى تبين، فإن تميزت الجنايات بأن قطع أحدهما بعضا وأبانها الآخر، أو وضع أحدهما السكين من جانب والآخر من الجانب الآخر حتى التقيا فلا قصاص إلا في مساحة ما جرح إن عرف ذلك؛ لأنه جنايته، ويجب القصاص في جميع المفاصل إلا المخوف منها، للأدلة المتقدمة وفي

معنى المفاصل أبعاض المارن، والأذنين، والذكر، والأجفان، والشفتين، والشفرتين؛ لأنها تقبل التقدير، وفي اللسان روايتان، والقصاص في كسر العظام إلا ما كان متلفا كعظام الصلب، والصدر، والعنق، والفخذ ونحوه، وكل ما يعظم الخطر في كائنا ما كان؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏)‏ ولو قطع اليد من المرفق لم يجز القطع من الكوع، وإن رضي المقتص منه، وإن كسر عظم العضد ففيه القصاص، ولو قطع من المرفق وكانت يده مقطوعة من الكوع، فطلب المجني عليه القطع من المرفق‏:‏ أجازه ابن القاسم؛ لأنه حقه، ونفاه أشهب لعدم المماثلة‏.‏

وفي النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن ضربه فشلت يده أو رجله، فعليه القود، يضربه كما ضربه، فإن شلت وإلا فالعقل في مال الضارب‏.‏ قال أشهب‏:‏ هذا إذا جرحها، أما إن ضربه على رأسه فبطلت يده فلا قصاص، وفي الأنف، والترقوة، والضلع، وفي إحدى قصبتي الأنف اليد القصاص إن قدر عليه، وكذلك الظفر‏.‏ قاله مالك‏.‏ قال سحنون‏:‏ هو كسر الصبي الذي لم يثغر لأنه ينبت‏.‏ قال ابن القاسم، لا قود في هاشمة الرأس؛ ولأنه لا بد أن تعود منقلة، بخلاف هاشمة الجسد إلا الفخذ‏.‏ قال مالك‏:‏ والقصاص في اللسان إن أمكن، وإن عضه فقطع منه ما منع الكلام شهرين، ثم تكلم ناقصا اقتص منه؛ لأني أخاف أن يذهب من كلامه أكثر من ذلك‏.‏ وقال أشهب‏:‏ اللسان مخوف، لا قود فيه، وقاله مالك‏.‏ وفي الأنثيين القصاص إن قطعتا أو أخرجتا دون الرض؛ لأنه متلف‏.‏ قال مالك‏:‏ إن ضربه فأذهب بصره، والعين قائمة، اقتص إن أمكن، وإن فقأها فقأت عينه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ البياض كقيام العين‏.‏ ومنع أشهب القود في البياض لتعذره‏.‏ قال مالك‏:‏ وفي إنزال الماء في عينه القود إن أمكن، وقال عبد الملك‏:‏ لا

قود في العين إلا أن تصاب كلها، قال المغيرة‏:‏ لا قود في نتف اللحية أو الشارب أو الرأس أو بعض ذلك، بل العقوبة والسجن؛ لاختلاف عظم اللحى في مسكة الشعر وإنباته، وعنه في الجميع القود دون البعض لأنه لحية بلحية، وشارب بشارب، قال ابن القاسم‏:‏ إن حلق الرأس واللحية والحاجبين فالأدب دون القود‏.‏ وقال أشهب‏:‏ القود في الشارب وأشفار العينين، فإن نبت للجاني ولم ينبت للأول فعليه قدر شين ذلك‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ فيه القصاص بالوزن غيره لاختلاف اللحى بالصغر والكبر، وإن قتل المجروح قاطع يده قتل به، وذهبت يده لذهاب المحل، وإن قطع يد أربعة اليمنى، فعفا أحدهم، فللباقي القطع؛ لأنه مستحق، أو سبق بعضهم فقطع يمينه، فلا شيء للباقي، فإن قطع أصابعه فقطع هو يده من الكوع قطع الأول الكف بعد الأصابع، وإن قطع صحيح يدا شلاء ‏(‏وقطع الأشل يد الصحيح فللصحيح فضل الدية بعد الحكومة في يد الأشل‏)‏ فإن ابتدأ الأشل رجع عليه بما بين حكومة يد شلاء، أو دية يد صحيحة، وإن سلم له في القصاص في النفس فضربه فقطع يده وقتله بالثانية‏:‏ إن تعمد ذلك أدب فقط، وإلا فلا أدب عليه‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ إن شلت يد الجاني فضرب رجل اقتص منها شلاء، ورجع المجني عليه على الذي أشلها بدية كاملة، وإنما لا يقتص من الشلاء قبل الجناية‏.‏ وقال مطرف‏:‏ هما سواء في عدم القصاص‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن قطع أصابع رجل، ثم كفه، فإنما له قطع الكف، أو أنملة من سبابة رجل، وسبابة من آخر، فإنما لهما قطع سبابته، أو

أصابع رجل، ويمين آخر، قطعت اليمين لهما، فإن قام صاحب الأصابع فقطع به، قطع للباقي البقية، أو رجلا من الكوع، ولآخر ذراعا بغير كف لم يقطعاه من المرفق؛ لأن صاحب الذراع لم يكن له يوم الجناية إلا حكومة، ولصاحب الكف القصاص من الكوع، وإن جنى على الذراع بعد أن اقتص منه صاحب الكف اقتص للتساوي، أو أصبعين ولآخر كفا فيها ثلاثة أصابع، فللثاني ثلاثة أخماس الدية، وللآخر القصاص، وإن جنى على الكف بعد أن اقتص منه في الأصبعين، اقتص للتساوي إن كانت الأصابع نظير الأصابع الثلاثة للجاني‏.‏ قال سحنون‏:‏ إن قطع من المنكب ‏(‏والآخر من المرفق وسرق قطع من المنكب‏)‏ لذلك كله، ثم رجع فقال‏:‏ يقطع من الكوع للسرقة، ثم يقطع للباقين‏.‏ قال‏:‏ وإن قطع كفا ثم لآخر ذراعا بغير كف ولآخر عضدا بغير ذراع، قطع الكف، ثم الذراع، ثم العضد، فإن عفا صاحب الكف فللباقين حكومة، أو عفا صاحب الذراع سقط قصاص العضد دون الكف، أو عفا صاحب العضد لم يسقط الباقيان‏.‏

المحل الثالث‏:‏ المنافع‏.‏ في الجواهر‏:‏ في السمع والبصر القصاص عند إيضاح الرأس بالسراية، بأن يقتص منه في الموضحة، فإن ذهب سمعه وبصره فقد استوفى، وإلا فعليه دية ما لم يذهب في ماله عند ابن القاسم‏.‏ وقال أشهب‏:‏ على عاقلته، فإن ذهبت عنه من لطمة ونحوها فلا قصاص كالضربة بعصا من غير أن يدمي‏.‏

المحل الرابع‏:‏ الجراح‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ القصاص في الموضحة، وهي التي توضح العظم من الرأس، أو الجبهة، وإن كان مثل مدخل إبرة، وفي الحارصة وهي‏:‏ شق الجلد، وفي الدامية وهي‏:‏ التي تسيل الدم، والسمحاق وهي‏:‏التي تكشف الجلد، والباضعة وهي‏:‏ التي تبضع اللحم، والمتلاحمة وهي‏:‏ التي تغوص في اللحم غوصا بالغا وتقطعه في عدة مواضع، والمطاة وهي‏:‏ التي يبقى بينها

وبين العظم ستر رقيق، ولا قصاص فيما بعد الموضحة، من الهاشمة العظم والمنقلة له على خلاف فيها خاصة، والآمة‏:‏ وهي البالغة إلى أم الرأس، والدامغة وهي‏:‏ الخارجة لخريطة الدماغ، وفي هاشمة الجسد القصاص إلا المخوف كالفخذ‏.‏ ولا قود في هاشمة الرأس عند ابن القاسم؛ لأنها تعود منقلة‏.‏ وقال أشهب‏:‏ فيها القصاص إلا أن تصير منقلة‏.‏

فائدة‏.‏ في التنبيهات‏:‏ عند أهل اللغة‏:‏ أولها‏:‏ الحارصة بحاء مهملة وصاد مهملة‏:‏ وهي التي حرصت الجلد أي شقته‏.‏ وهي الدامية لأنها تدمي‏.‏ وهي الدامعة بعين مهملة لأن الدم ينبع منها كالدمع‏.‏ وقيل‏:‏ الدامية أولا‏:‏ لأنها تخدش فتدمي ولا تشق جلدا، ثم الحارصة لأنها شقته، وقيل‏:‏ هي السمحاق كأنها جعلت الجلد كسماحيق السحاب، ثم الدامعة؛ لأن دمها أكثر الزمان يقطر كالدمع، ثم الباضعة‏:‏ وهي التي أخذت في اللحم وبضعته، وهي المتلاحمة بعد الباضعة؛ لأنها أخذت في اللحم في غير موضع، ثم الملطاء بكسر الميم ويقال‏:‏ ملطاة وهي التي قربت من العظم، بينها وبينه فصيل من اللحم‏.‏ وقيل‏:‏ هي السمحاق، ثم الموضحة، وهي التي كشفت عن العظم، ثم الهاشمة التي هشمت العظم، ثم المنقلة، وهي التي كسرت العظم فتحتاج إخراج بعض عظامها لإصلاحها، وتختص بالرأس‏:‏ المأمولة التي أفضت لأم الدماغ، وبالجوف‏:‏ الجائفة التي نفذت إليه، والقصاص في جميع الجراح، إلا المنقلة، والمأمومة، والجائفة للخطر، وتوقف مالك في القود في هاشمة الرأس، وقال‏:‏ لا أرى هاشمة إلا وهي منقلة‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إن جرحه عمدا ثم قتله آخر، فالقتل يأتي على الجراح في رجل أو رجال، فإن عفي عن دمه أقيد منه من الجراح، فإن قتل عمدا وجرح وآخر خطأ أو قتل أو الخطأ أولا فهو على عاقلته ويقاد منه في العمد، وإن جرح جماعة ‏(‏جرحا وأخذ جرح ذلك الجرح للجميع كالعضو فإن عفا أحدهم فللباقي القصاص‏.‏ قال مالك‏:‏ إن ضرب جماعة‏)‏ فوجدت موضحة لا يعلم جارحها‏:‏ فالعقل عليهم كلهم‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لا يدري من شجه، فإذا حلف حلفوا ما شجوه، فإن نكلوا أو حلفوا فالعقل عليهم، أو بعضهم ونكل البعض فالعقل على الناكلين‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ليس له أن يقول‏:‏ فلان جرحني، كما يقول‏:‏ فلان قتلني إلا قوم قد شهد عليهم بالقتال بينهم، فيظهر بأحدهم جرح، فيدعي المجروح أن واحدا جرحه فيحلف ويقبض، فإن وجد به أربع موضحات‏:‏ قال مالك‏:‏ يحلف على من يزعم أنه شجه ويستفيد، وكذلك إن قال‏:‏ إن واحدا شجها كلها، وإن لم يحلف فلتجعل الشجاج على جماعتهم‏.‏ قال المغيرة‏:‏ إن قال‏:‏ لا أدري أيهم شجني، حلف كل منهم أنه ما شجه، ثم الشجاع بينهم، ولا قود عليهم، فإن شهدت بينة أنهما ضرباه ضربتين، لكل واحد ضربة، لم يضربه غيرها، ووجد به موضحة ومنقلة، سئل‏:‏ من جرحه الموضحة‏؟‏ ومن جرحه المنقلة‏؟‏ ويقبل مع يمينه، وإن جهل حلف‏:‏ ما يدري سبيلا؛ فإن ادعى كل واحد الموضحة ونفي المنقلة‏:‏ حلف وأخذ الموضحة من أيهما شاء

قودا‏.‏ ومن الآخر نصف عقل منقلة، ويقبل قول المجروح أبدا إذا ثبت الضرب، إلا أن يستدل أن الجرح قديم، وما أشكل، يحلف ويقتص منه إن شهد اثنان بالضرب، وواحد با ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قال مالك‏:‏ إن تراموا فجرح أحدهم، لا تقبل شهادة بقيتهم أن فلانا جرحه؛ لأنهم يدفعون عن أنفسهم، وعليهم العقل، وإن قال‏:‏ جرحني هذا ثلاث جراحات؛ فقال‏:‏ بل جرحتين، حلف المجروح على الثالثة واقتص منه من الثلاثة؛ لاعترافه بأصل الجراح‏.‏

نظائر‏.‏ قال أبو عمران‏:‏ أربع عشرة مسألة، تعتبر فيها السنة‏:‏ الجرح لا يحكم فيه إلا بعد البرء والسنة، واللقطة، والعبد الآبق يحبس سنة ثم يباع، والمجنون، والمعترض، والعهدة في الرقيق للأدواء الثلاثة، والمستحاضة، والمرتابة، والمريضة في العدة، والشفعة عند أشهب، وابن القاسم يزيد الشهرين، واليتيمة إذا مكثت سنة في بيت زوجها المشهود عليه بالطلاق إذا أبى أن يحلف حبس سنة، وحيازة الهبة سنة ثم لا يضر الرد، والموصى بعتقه وامتنع أهله من بيعه، ينتظر سنة، فإن باعوا عتق بالوصية‏.‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ اختلف في الاستيناء بالجراح سنة إذا ظهر برؤها قبلها، فتأول بعض الشيوخ أنه لا بد من السنة مخافة أن ينتقض حتى يمر عليه الفصول الأربعة، وقاله ابن شاس، وقال غيره‏:‏ خلافه‏.‏ وهو ظاهر ما في الأصول، ولا معنى للإنتظار بعد البرء، فإن نفدت السنة ولم يبرأ‏؟‏ ففي الكتاب‏:‏ ينتظر برؤها بعد السنة ولا قود ولا دية إلا بعد البرء‏.‏ وقال أشهب‏:‏ ليس بعد السنة انتظار في الخطأ

ويعقل الجرح بحاله عند تمامها، ويطالب بما زاد بعد تمامها‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ لا بد من السنة وإن برئ قبلها وأمن من الإنتقاض، وقال ‏(‏ح‏)‏ وأحمد‏:‏ لا يقتص إلا بعد الاندمال، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجوز قبله، وبنى مالك ومن معه على أصلهم‏:‏ أن الطرف إذا سرى للنفس يسقط في الطرف القصاص‏.‏ وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يسقط، واستظهرنا نحن بالسنة لاحتمال الانتفاض في أحد الفصول الأربعة‏.‏ لنا‏:‏ ‏(‏أن رجلا طعن بقرن في رجله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أقدني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعه حتى يبرأ، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ حتى يبرأ، فأقادها منه، ثم عرج المستقيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ برئ صاحبي وعرجت رجلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حق لك‏)‏؛ ولأنه موجب الجناية فلا يعجل كالدية والأرش؛ ولأنه قد سرى للنفس فيئول الحال للقصاص في النفس لا في غيرها‏.‏ احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والجروح قصاص‏)‏ والأصل‏:‏ تعجيل مسببات الأسباب‏.‏ والجواب‏:‏ أن القصاص أصله من القص والقصص، وهو المماثلة بين الشهرين والحكاية والمحكي في القصص، وذلك معلم قبل السنة فينتظر‏.‏

البحث الثاني في شروط القصاص، وهي ستة‏:‏

الشرط الأول‏:‏ عدى التعدي إلى الزيادة، وقد تقدم ما فيه خطر في الأطراف والجراح‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ يقتص من اليد من المنكب‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ وشجه موضحة

ومأمومة في ضربة متعمدا اقتص من الموضحة، وحملت العاقلة المأمومة، وإن أوضحه فأذهب سمعه وعقله أقيد من الموضحة بعد البرء، ثم ينظر إلى المقتص منه، فإن لم يذهب بعد البرء سمعه وعقله ففي ماله عقل الأول ح لأنه عمد، وإن قطع أصبعا فشلت اليد اقتص في الأصبع، فإن برئت ولم تشل اليد، فعقلها في ماله وفيه خلاف، وإن قطع كفه فشل الساعد، فعلى عاقلته دية اليد؛ لأنها ضربة واحدة‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يكون القاتل أعلى رتبة، وللعلو أسباب أربعة‏:‏

السبب الأول‏:‏ الإسلام، فلا يقتص من مسلم لكافر، ولا من حر لعبد، وتقدم الخلاف فيه والتعذير‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إذا صادف القتل تكافؤ الدماء لم يسقط القصاص بزواله، كالكافرين يسلم أحدهما بعد الجناية، أو أحد العبدين، ولا يعتبر التفاوت في فاقد العصمة فيقتل الذمي بالمعاهد، فإن تغير حال الذمي قبل إصابة السهم، ثم أصابه فالعبرة عند ابن القاسم‏:‏ بحال الإصابة‏:‏ لأنه وقت للسلب، وعند سحنون‏:‏بحال الذمي؛ لأنه وقت اكتساب الجناية، فإن عتق العبد الرامي قبل الإصابة‏.‏ قال سحنون‏:‏ الجناية في رقبته اعتبارا بحال الرمي‏.‏ وقال الأستاذ أبو بكر‏:‏ من يعتبر حال الإصابة فالدية على العاقلة، وعكسه لو رمى عبدا فعتق قبل الإصابة فعلى الأصلين تجب إما دية حر أو قيمة عبد، فإن رمى عبد نفسه ثم أعتقه قبل الإصابة تخرجت الدية على ما تقدم، فإن رمى مرتدا فأسلم، أو حربي فأسلم قبل الإصابة فقتله أو جرحه‏.‏ قال سحنون‏:‏ لا قصاص على الرامي؛ لأنه رمى في وقت لا قود فيه ولا عقل، وعلى قول ابن القاسم‏:‏ الدية عليها، حالة في ماله؛ لأنه لو جرح وهو مرتد ثم مات من جرحه بعد أن أسلم أقسم‏:‏ ولاته لمات منه وديته في ماله، ولو رمى صيدا وهو حلال ولم تصل إليه الرمية

حتى أحرم، فعله جزاؤه‏.‏ قال الأستاذ أبو بكر‏:‏ إن قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد المقطوع ومات مرتدا أو قتل اقتص من الجاني في اليد، ولا يقسم ولاته فيقتلوه؛ لأن الموت كان وهو مرتد، فيلزم ابن القاسم من هذا أن الإعتبار بحال العاقبة لا بالمبتدأ‏.‏ وإن رمى مرتد ثم أسلم ثم أصاب سهمه رجلا خطأ‏:‏ قال سحنون‏:‏ أنا وإن كنت أعتبر حالة الرمي، فهاهنا الدية على العاقلة، وإن كان ليس من أهل العاقلة وقت الرمي، إذ لا عاقلة للمرتد، وإنما النظر إلى الدية وقت فرضها، ولم يحكم فيها هاهنا حتى أسلم، فله عاقلة، وقد اتفق الأصحاب‏:‏ أنه إن جنى خطأ ثم أسلم أن عاقلته تحمل ذلك، فكذلك هذا، وفي قوله الأول‏:‏ الدية في ماله نظرا إلى وقت الجناية، واختلف في دية المرتد إن جرح مرتد أو مات من جرحه بالسراية بعد أن أسلم‏؟‏ فقيل‏:‏ على الدين الذي ارتد إليه‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ ديته دية مسلم، وكذلك لو كان المرمي نصرانيا فأسلم قبل وصول السهم؛ لأنه لا قصاص فيه، بل دية مسلم في قول ابن القاسم، وفي جرحه دية مسلم عنده‏.‏ وقال أشهب‏:‏ دية نصراني في جرحه‏.‏ قال سحنون‏:‏ ويلزم على قوله لو كان مرتدا وأسلم قبل وصول الرمية أنه لا قود على الرامي ولا دية؛ لأنه وقت الرمي مباح الدم‏.‏ وقد قال سحنون في عبد رمى رجلا ثم عتق قبل وصول رميته‏:‏ أن جنايته جناية عبد‏.‏ وقال أصحابنا‏:‏ أجمع في مسلم قطع يد نصراني، ثم أسلم، ثم مات؛ أنه لا قود على المسلم، ولأوليائه أخذ ديته؛ دية نصراني، أو يقسمون ولهم دية مسلم في مال الجاني حالة في قول ابن القاسم‏.‏ وقال أشهب‏:‏ دية نصراني اعتبارا بوقت الضرب، وإن كانت الجناية خطأ ولم يقسم ورثته، فلهم دية نصراني على عاقلة الجاني مؤجلة، وفي قول ابن

القاسم‏:‏ دية مسلم على عاقلته ومن هذا الأصل‏:‏ قطع رجل يد عبد ثم أعتقه سيده، ثم ارتد، فسرى إلى النفس، ففي قول سحنون الأول‏:‏عليه لسيده ما نقصته الجناية، وعلى قوله الثاني‏:‏ لا شيء على القاطع، لأنه صار مباح الدم يوم مات، وكذلك إن رمى قاتل أبيه ثم عفا عن القصاص قبل الإصابة، فعلى قول سحنون الأول‏:‏ لا يجب عليه شيء، وعلى الثاني‏:‏ يجب اعتبارا بحال الإصابة، أو جنى مسلم على نصراني فتمجس النصراني، ثم سرى إلى النفس، أو مسلم على مجوسي، ثم تهود ثم سرى إلى النفس، فعلى قول أشهب‏:‏ دية أهل الدين الأول في المسلمين‏.‏ وعلى القول الثاني‏:‏ الدين الذي انتقل إليه، وأما مسلم جرح مسلما، فارتد المجروح ثم سرى إلى النفس، فلا قود؛ لأنه صار إلى ما أحل دمه‏.‏ قال صاحب القبس‏:‏ اختلف قول مالك في القصاص بين المسلمين والذمة في الأطراف، وهي معضلة وهم فيها أصحابنا فظنوا أن مالكا لاحظ فيها - على هذه الرواية - أنها أموال؛ لأنها يقضى فيها بالشاهد واليمين، وهو ينتقض بقوله‏:‏ تقطع الأيدي باليد، بل لاحظ أن يد المسلم تقطع بالجناية على مال الكافر بالسرقة، فتقطع بالجناية على يده بخلاف النفس؛ لأنها أعظم حرمة، ولاحظ في الرواية الصحيحة القياس على النفس، والقطع في السرقة حق لله تعالى، لا لمال الكافر، كما لو قتل المسلم الكافر حرابة؛ فإنه يقتل به، وروى ‏(‏ش‏)‏ هذه الرواية، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تعتبر المماثلة في الدية، وقد تقدم بسطه‏.‏

السبب الثاني‏:‏ الحرية‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لا يقتل حر برقيق ولا من بعضه رق، ولا فيه عقد من عقود الحرية كتابة أو تدبيرا، وأم ولد، أو معتق إلى أجل،

كما لا يقطع يد بيد أحدهم، وقتل الرقيق بالحر إن اختار الولي، ويقتل المستولد بالمكاتب، والمدبر، ومن فيه عقد حرية، بمن ليس هو كذلك من الرقيق، وكل من لا يقتص لهم من الحر لنقصان حرمتهم بالرق فدماؤهم متكافئة، يقتص لبعضهم من بعض، وإن رجح بعضهم على بعض بعقد حرية، أو بحصول بعض الحرية، ولا يقتص من العبد المسلم للحر الذمي تغليبا للإسلام، ويخير سيده في افتكاكه بديته، أو يسلمه فيباع على أولياء القتيل، ويقتص العبد المسلم منه عند ابن القاسم؛ فإن قال سيده‏:‏ لا أقتله وآخذ قيمة عبدي فذلك له؛ لأنه ماله‏.‏ وقال سحنون‏:‏ إنما عليه قيمته لأنه سلعة أتلفها، واختلف قول ابن القاسم فقال‏:‏ يضرب ولا يقتل‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وليس للسيد أن يعفو على الدية، وهو كالحر يقتل الحر ليس فيه إلا القتل، أو يصطلحان على دية شيء‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ فيه العفو إلا أن يكون غيلة، ويصير كالنصراني يقتل الحر المسلم، على العداوة والنائرة، فلوليه العفو على الدية والقتل‏.‏ قال محمد‏:‏ الأحسن أن يخير السيد في قتل النصراني أو أخذ قيمة عبده؛ لأنه مال أتلفه عليه‏.‏

السبب الثالث‏:‏ الأبوة‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هي عند أشهب تمنع القصاص مطلقا فلا يقتل الأب بابنه بحال، والمذهب لا يدرأ إلا مع الشبهة إذا أمكن عدم القصد له وادعى ذلك الأب، وإن كان غيره يقبل مثل ذلك، ولا يسمع دعواه، كما لو حذفه بالسيف أو بغيره فقتله، ثم ادعى عدم إرادة القتل، بل أدبه؛ لأن شفقة الأب شبهة شاهدة بعد قصد القتل، وهو

مورد السنة في فعل المدلجي بابنه فإن فعل ما لا شبهة معه كشق جوفه، أو ذبحه، أو وضع أصبعه في عينه فأخرجها، فالقصاص، وكذلك إن اعترف بقصد القتل وإن كان الإحتمال قائما؛ لأنه كشف الغطاء عن قصده‏.‏ وفي معنى الأبوة‏:‏ الأجداد والجدات من قبل الأب والأم، ومن لا يرث، قاله عبد الملك‏.‏ وقال سحنون‏:‏ اتفقوا على أنها تغلظ في الجد والجدة من قبل الأب، واختلفوا فيها من قبل الأم‏.‏ فقال ابن القاسم‏:‏ هما كالأم‏.‏ وقال سحنون‏:‏ كالأجنبيين‏.‏ وحيث لنا بالقصاص، يجب أن يكون القائم بالدم غير ولد الأب من العصبة ونحوها‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إن ضرب امرأته بسوط أو حبل في عينها أو غيرها، ففيه الدية دون القتل، ويقتل الأخ بأخيه إن قتله عداوة، وأما على وجه الأدب فالعقل كالمعلم والصانع والقرابة يؤدبون، ما لم يتعمدوا بالسلاح‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن قتل العبد ابنه كفعل المدلجي فسلمه لورثة أبيه لا يعتق عليهم، ويباع، ولو جرح أباه فأسلم إليه يعتق عليه‏.‏

السبب الرابع‏:‏ فضل الذكورة‏:‏ وهي غير معتبرة عندنا وعند أهل العلم المشاهير، وعن طائفة‏:‏ إذا قتلت رجلا، قتلت وأخذ من أوليائها نصف الدية، أو قتلها رجل أخذ أولياء المرأة نصف ديته، ونحوه عن علي رضي الله

عنه؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولكم في القصاص حياة‏)‏‏.‏ والقصاص لغة‏:‏ المماثلة فيجب التماثل، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وليس الذكر كالأنثى‏)‏، ولقوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه مخصوص بالصغير مع الكبير، والعالم العابد الشجاع البطل مع ضده في ذلك، فتخص هذه الصورة بالقياس على ذلك، بل التفاوت هناك أكثر، ولأن المرأة ساوته في الحدود والتكاليف، فكذلك هاهنا‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه نزل في بطلان ما كانت العرب عليه من أن القبيلة إذا غزت وقتل منها حر من القبيلة المغزوة، بذلوا موضعه عبدا أو امرأة، أو قتل عبد من المغروة لعبد من المغزوة، أو حرة بحرة، طلبوا موضع العبد حرا، والمرأة رجلا، وهو طريق الجمع بينه وبين قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏)‏، وقيل‏:‏ المراد بالحر جنسه الشامل للذكر والأنثى، وكذلك العبد، فالعبد الذكر والأنثى سواء، فأعاد ذكر الأنثى بالأنثى إنكارا لما كانت الجاهلية عليه، واستدلال الخصم إنما هو بمفهوم الآية أي‏:‏ الحر بالحر؛ مفهومه‏:‏ لا بالعبد، والأنثى بالأنثى، أي‏:‏ لا بالذكر، ومنطوق العموم مقدم على المفهوم، مع أن الإجماع على القصاص، وإنما الخلاف في أخذ المال معه كما تقدم‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ المماثلة في العضو، فلا يقتص من اليمنى إلا باليمنى، وكذلك سائر الأعضاء إذا اختلف؛ لأنه معنى القصاص لغة‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن

قطع يمينه عمدا ‏(‏ولا يمين له، فديته من ماله دون العاقلة، فإن كان عديما‏)‏ ففي ذمته، ولا تغلظ عليه الدية في العمد إذا قتلت؛ لتعذر القصاص أصالة بخلاف قبولها، وإن فقأ أعور العين اليمنى عينا يمنى خطأ، فعلى عاقلته نصف الدية، أو عمدا، فعليه ديتها في ماله، ولا يقتص من اليد أو الرجل اليمنى باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، ولا العين أو السن بمثلها في صفها وموضعها، الرباعية بالرباعية، والعليا بالعليا، والسفلي بالسفلي؛ فإن تعذر رجع للعقل، وإن فقأت عين أعور العين اليسرى ففيها الدية كاملة؛ لأنه لا قصاص في عين الجاني للمخالفة، وإن فقأ الأعور عين الصحيح التي مثلها باقية للأعور فللصحيح أن يقتص، وإن أحب أخذ دية عينه، ثم رجع مالك فقال‏:‏ له القصاص أو دية عين الأعور‏:‏ ألف دينا‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ والأول أحب إلي‏.‏ وإن فقأ أعمى عينا فديتها في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل عمدا، وإن فقأ أعور عيني رجل، فله القصاص في عينه ونصف الدية في العين الأخرى‏.‏

في التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ إذا فقأ الأعور مثل عينه من الصحيح، يخير بين القصاص والدية، قيل‏:‏ يخرج منه قول في التخيير في أخذ الدية في جراح العمد، وهو قول ابن عبد الحكم‏.‏ والمشهور خلافه‏.‏ ويتخرج أيضا إجبار القاتل على الدية كقول أشهب، وقال أبو عمران الفاسي‏:‏ إذا قال ذلك لعدم التساوي في عين الأعور؛ لأنها أزيد من عين الصحيح؛ لأنه إن اختار القصاص ففي مثل عينه، أو الدية فقد دعي إلى صواب‏.‏ قال‏:‏ ويلزمه على هذا الإجبار على الدية، وخرج بعضهم على هذه أن لولي القتيل إذا كان القاتلون جماعة أن يلزم كل واحد فيه دية كاملة عن نفسه كديته؛ لأن

له قتله واستحياء من أراد، وكذلك قاطعو اليد على كل من عفا عنه دية يد نفسه، قال‏:‏ وهو لا يلزم أبا عمران؛ لأن جماعة الأنفس زيادة على نفس على كل حال‏.‏ وفي النكت‏:‏ قوله‏:‏ إذا فقأ الأعور اليمنى عين رجل فله القصاص بعين ونصف الدية من العين الأخرى‏.‏ قال أشهب‏:‏ هذا إذا فقأهما في فور، أما واحدة بعد واحدة وتقدمت اليمنى ففيها نصف الدية؛ لعدم النظير، وفي الأخرى القصاص، أو تقدمت اليسرى التي هي باقية ففيها القصاص، وفي الأخرى دية كاملة‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ خلاف‏.‏ وقوله في الأعور يفقأ عين صحيح بمثلها باقية، يخير فلزمه في المسألة المتقدمة إن فقأهما معا أن الحر الصحيح في معنى عين الأعور بعينه، أو يأخذ منه دية كاملة وخمسمائة في عينه الأخرى التي ليس لها مثل، وإنما جوابه في المسألة على ما قال مالك في آخر أقواله‏:‏ أن ليس له إلا القصاص‏.‏ وبنى أشهب قوله على مذهبه‏.‏ أما على قول ابن القاسم‏:‏ إن تقدمت اليمنى التي لا نظير لها في الأعور، أو تقدمت من اليسرى التي مثلها باقية، خير في القصاص أو دية كاملة عوض ما بقي، وله في اليمنى ألف دينار بكل حال؛ لأنها عين الأعور‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ في عين الأعور كمال الدية؛ أخذ في الأولى عقل، أو ذهب بأمر سماوي عند مالك وجميع أصحابه‏.‏ قاله‏:‏ عمر، وعثمان، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم رضي الله عنهم‏.‏

في الجواهر‏:‏ الذكر المقطوع الحشفة، والحدقة العمياء، واليد الشلاء، لا يقتص من صحاح وإن رضي لحق الله تعالى فيها، وإن ردت السن فنبتت‏:‏ فله العقل في الخطأ، والقود في العمد عند ابن القاسم‏.‏ وقال أشهب‏:‏ القود

في العمد، فلا عقل في الخطأ‏.‏ والفرق‏:‏ أن المعتبر الجرح حال الجناية في القود، والعقل يوم النظر، وإن وقعت سن فأخذ عقلها ثم نبتت لم يلزمه رده، ولا يقلع سن البالغ بسن الصبي الذي لم يثغر؛ لأنه فضلة في الأصل، وسن البالغ أصل، وإن عادت الموضحة ملتئمة لم يسقط القصاص، وتقطع يد الجاني الناقصة أصبعا، ولا شيء للمجنى عليه غير ذلك، وروي‏:‏ له الأصبع الناقصة؛ فإن نقصت أكثر من أصبع خير عند مالك بين العقل والقصاص، ومنع عبد الملك القصاص؛ لأنه تعذيب‏.‏ وعلى الأول اختار القصاص لبذله أخذ ما نقص من الأصابع، قولان لابن القاسم‏.‏ فإن كانت يد المجني عليه هي الناقصة أصبعا‏:‏ الإبهام أو غيره؛ اقتص عند مالك، أخذ الذاهب عقلا أم لا‏.‏ وقال أشهب‏:‏ ليس له إلا القصاص‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ له ذلك إلا أن يكون الإبهام فلا قصاص‏.‏ قال محمد‏:‏ إن نقصت أصبعين فلا قصاص عند مالك وأصحابه، وتؤخذ العين السالمة بالضعيفة من أصل الخلقة أو كبر فإن كان من جدري، أو كوكب، أو قرحة، أو رمية؛ أخذ فيها عقلا أم لا فلا قود، وحمله عبد الملك على النقص الفاحش‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا أصيبت العين خطأ فأخذ عقلها وهو ينظرها، ثم أصيبت‏:‏ ففيها القصاص‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن قطع يمين رجل، فذهبت يمين القاطع بأمر سماوي، أو في قطع سرقة، فلا شيء للمقطوع يده بذهاب المحل، وإن قطع أقطع الكف اليمنى يمينا من المرفق، خير المجني عليه في مثل يده، أو قطع اليد الناقصة من المرفق، ولا عقل له، وكذلك من قطعت من يده ثلاثة أصابع فقطع يدا، فيقتص من اليد الناقصة أو يأخذ العقل‏.‏

قاعدة‏:‏ الأصل في القصاص‏:‏ ‏(‏التساوي؛ لأنه من القص‏)‏ ومتى قص شيء من

شيء فهو بينهما سواء من الجانبين فهو شرط إلا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا، وله مثل‏:‏ أحدها‏:‏ التساوي في أجزاء الأعضاء، وسمك اللحم لو اشترط في الجاني لما حصل إلا نادرا الجراحات في الجسد‏.‏ وثانيها‏:‏ تساوي الأعضاء‏.‏ الثالث‏:‏ العقول‏.‏ الرابع‏:‏ الحواس‏.‏ الخامس‏:‏ قتل الجماعة بالواحد، وقطع الأيدي باليد لو اشترط الواحدة؛ لتساعد الأعضاء ببعضهم، وسقط القصاص‏.‏ السادس‏:‏ الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشباب، ومنفوذ المقاتل على الخلاف‏.‏ السابع‏:‏ تفاوت الصنائع والمهارة فيها‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ حضور الأولياء كلهم واجتماعهم على القتل‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا كان القتل بغير قسامة وأحد الوليين غائب؛ فإنما للحاضر أن يعفو، وله حصته من الدية، ولا يقتل حتى يحضر الغائب، ويحبس القاتل حتى يحضر، ولا يضمن؛ إذ لا ضمان في النفس، وإن كان له أولياء صغار وكبار‏:‏ فللكبار أن يقتلوا، ولا ينتظروا لئلا يفوت الدم، بخلاف الغائب؛ لأنه تكذيب له‏.‏ ولما قتل ابن ملجم عليا رضي الله عنه أمر الحسن بقتله، وكان لعلي رضي الله عنه ورثة صغار فإن كان أحدهما مجنونا مطبقا، فللآخر القتل، وينتظر المغمى عليه والمبرسم حتى يفيق؛ لأنه مرض‏.‏ وإن مات أحد الأولياء قبل القصاص والقاتل وارثه، بطل القصاص؛ لأنه ملك من دمه حصة، فهو كالعفو، ولبقيتهم حصتهم من الدية؛ لأنه ممكن التوزيع، وإن مات وارث الدم، فوارثه مقامه في العفو والقتل، فإن كان في وارث الولي نساء ورجال، فلهن من القتل والعفو ما للرجال؛ لأنهن ورثن الدم

عمن له العفو والقتل‏.‏ وفي النوادر‏:‏ إذا كان له ولد صغير وعصبة فلهم القتل أو العفو على الدية كاملة قبل كبر الولد، وإن كان بالقسامة فلهم القسامة والقتل والعفو عن الدية، فإن نكلوا خير القاتل حتى يبلغ الصبي فيقسمون ويقتلون أو يأخذون الدية، قاله مالك‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن كان بينة فلا يعفو العصبة، ويحبس حتى يبلغ الصبي لقوة البنوة وقوة الثبوت، أو بقسامة فلهم العفو على الدية بإذن السلطان، ولهم القتل الآن‏.‏ قال مالك‏:‏ وإن لم يكن إلا صغير؛ فالأب يقتل أو يعفو على الدية، أو الجد لا الجد للأم لأنه ليس عصبة، فإن عدم له ولي فالسلطان أو من يوليه فيكون كالوصي، ولا يصالح إن رأى ذلك إلا على الدية في ملأ القاتل، وإن لم يكن مليا فله الصلح على دونها، وإن صالح في ملائه على دونها طولب القاتل؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن‏)‏ ولا يرجع القاتل على الخليفة بشيء، وأما القتل فيمتنع، وإن أقسم الكبار وللصبي وصي فلا يقتلوا إلا برأيه، وإن عفا الأوصياء على الدية جاز؛ لأنه المشروع الأغلب، ودخل فيها الكبار لتعذر الدم، أو عفوا على غير شيء امتنع، وللكبار القتل لضعف شفقة الوصي عن حرقة الولي، أو عفا الكبار نظر الوصي، فإن رأى أن يأخذه صلحا فعل، قاله أشهب‏.‏ قال محمد‏:‏ إن كانوا معهم في درجة واحدة، جاز عفو من عفا عنهم لتساوي الرتبة، وللباقي حصته من الدية، أو طلبوا القتل نظر معهم أولياء الصغار، ومن عفا منهم على الدية دخل فيها الباقون، والعصبة عند أشهب غير الإخوة من قام بالدم، فهو أولى من كبير

أو ولي صغير، ولا عفو إلا لجميعهم، ولا يعفو أولياء الصغار مع الكبار إلا بنصيبهم من الدية، وإلا فلهم القتل‏.‏ وعن مالك‏:‏ الوصي أولى بالقتل والعفو على الدية من الأولياء؛ لأنه خليفة الأب‏.‏ قال سحنون‏:‏ لا ينتظر كبر الصغير إلا أن يكون راهق، وإلا فللكبير القتل‏.‏ وقال أشهب‏:‏ لا ينتظر الغائب ‏(‏إلا إذا كان الأولياء من عفا منهم كان أولى، وإن عفا بعض الحضور تم العفو ولا ينتظر الغائب‏)‏ وإن كان من قام منهم بالدم كان أولى فلمن حضر القتل، ولا يتهم عفوه، ويحبس القاتل حتى يكاتب الغائب، وليس الصغير كالغائب لإمكان المكاتبة، إلا أن يكون بعيد الغيبة فلمن حضر القتل، ولا يتهم عفوه‏.‏ قال سحنون‏:‏ كالأسير ونحوه، أما إفريقية من العراق فلا‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ إن غاب بعضهم - وهو ممن له العفو - أو نكل ردت الأيمان على المدعى عليهم وانتظر أبدا، ويؤمر من في درجته أن يقسموا لعلهم ينكلون فترد الأيمان ويبطل الدم ‏(‏في قسامة سم احتياط، لئلا يموت هؤلاء ويقدم الغائب فلا بد من‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فإن نكل‏.‏ الحاضر الأفقد والغائب أو عفا أو نكل لم يبطل الدم، حلف الحاضرون وقتلوا، وإن كان واحدا ضم إليه إن وجد من يحلف، وإن فقد المضمون مثل الغائب في البعد أو أبعد منه ويقتل‏.‏ قال أشهب‏:‏ لا ينتظر المبرسم والمغمى عليه؛ إن من قام بالدم فهو أولي، ولمن بقي الدية، وإن كان المبرسم وحده أولى انتظر‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا ينتظر المجنون المطبق لبعده عادة‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إن كان من عفا كان أولى فللمجنون حظه من الدية، وإن كان من عفا من قام بالدية كان أولى فالصحيح‏:‏ القتل بأمر الإمام، ولا يقام للمجنون أحد إلا من قام بالقتل فهو أولى‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن كان صغير وكبير، لم ينتظر بلوغ الصبي، ولا يقسم

وصيه، ويقسم الكبير مع بعض العصبة، ويكون للكبير القتل مع وصي الصغير، أو كبيران وصغير، أقسم الكبيران وقتلوا مع ولي الصغير، قال ابن القاسم‏:‏ للمقتول وليان قام أحدهما فقتل القاتل، لا قتل عليه، ويغرم للآخر نصف الدية؛ لأنه أبطل ما كان له أن يعفو عنه على نصف الدية‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إن عتق ابن المقتول بعد القتل، فلا مدخل له في الدم، بل يستعين به الأولياء إن احتاجوا، وقال مطرف‏:‏ لا يستعين به الأولياء لعدم أهليته عند القتل‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ وإن ألحق بأبيه بحكم، أدخل في الولاية، ويقسم مع من تقدمت قسامته من إخوته بقدر ما لو كان يوم القسامة لاحقا لا قسامة إلا أن يكون أمثاله خمسون قد أقسموا فيستغنى عنه، وإن كان المقسمون بني عم فلحق ابن، سقطت قسامتهم وصار اللاحق له وحده مؤتنف القسامة‏.‏ قال‏:‏ قال أشهب‏:‏ يقوم مقام الولي إذا مات، من ورثتة من له القيام بدمه لو كان هو مقتولا، وإن ورثه رجال ونساء فلا عفو للنساء إن كن بنات إلا مع العصبة، ولا عفو للعصبة إلا بهن، وكذلك العصبة والأخوات وإن كان أحد ورثة المقتول‏:‏ بنت الميت، أو رجل عصبة؛ فالقود قائم حتى يجتمع كل من في دم المقتول نظر على العفو‏.‏ قال ابن القاسم وأشهب‏:‏ إذا كان للمقتول بنون وبنات، فماتت بنت وتركت بنين فلا شيء لهم في العفو ولا القيام؛ لأنه ليس لأبيهم ولهم شيء، فإن عفا بعض بني المقتول، فلهم نصيبهم من الدية‏.‏ قال محمد‏:‏ إن كانوا أما، وبنتا، وعصبة، وابن عم، أو موالي، فمن مات فورثته مقامه إلا الزوج والزوجة، ومن

قام بالدم أولى، فإن اختلف وارث الدم ومن بقي من الأصول ‏(‏فلا عفو إلا باجتماعهم، ويدخل غرماء الوارث إذا مات مع الورثة في القسامة لحقهم‏)‏ في المال فهم أولى من الورثة، فهم يقسمون ويستحقون، وإن أقسم الورثة ولم يعلموا بالغرماء أخر أو حلف الغرماء‏:‏ ما قبضوا شيئا من ديتهم، فمن نكل بقي حقه للورثة، وإنما يحلف الغرماء إذا أحاط دينهم فيقومون مقام غريمهم الميت مع بقية الأولياء، وإن طرأ غريم لم يعلم به؛ حلف ما كان يحلف لو حضر‏.‏

قاعدة‏:‏ الوارث يرث المال دون العقل والرأي والخصائص البدنية والآراء النفسانية، فلذلك لا يرث اللعان، ولا فيئة الإيلاء، ولا ما فوض إليه المتبايعان، أو المعلق من المشيئة والاختيار، ويرث الشفعة، وخيار البيع، والرد بالعيب ونحوها؛ لأنه بائع بالمال، فكل ما هو مال أو تابع له، يورث، وما لا فلان، واستثنى أمران‏:‏ حد القذف والقصاص، لما يدخل فيها على الوارث من الضرر والعار وفقد الانتصار؛ فجعل له التشفي بالعقوبات والإضرار‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ أن يباشر غير المجني عليه‏.‏ ففي الكتاب‏:‏ لا يمكن الذي له القصاص ‏(‏في الجرح من القصاص‏)‏ لنفسه؛ خشية الزيادة وعدم المعرفة، بل يقتص له من يعرف ذلك‏.‏ وفي القتل‏:‏ يدفع القاتل لأولياء المقتول؛ لأن زهوق النفس لا يختلف، وينهى عن العبث‏.‏ قال أشهب‏:‏ النفس الجرح لا يليها الولي خشية التعذيب‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ الأجرة في الجرح على المستحق، وقال ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏‏:‏ على

المقتص منه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هو قول عندنا، واختاره الشيخ أبو إسحاق، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل الواجب التمكين للآخر على الجاني، أو التسليم فيجب كحكم المسلم فيه‏؟‏ لنا‏:‏ أن الأصل‏:‏ براءة الذمة، وقياسا على أجرة الحمال في الزكاة لا تؤخذ من المأخوذ منهم‏.‏ احتجوا بأن غاصب الطعام عليه أجرة الكيل‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه مال فأشبه السلم‏.‏

الشرط السادس لا يتعدى القتل لغير الجاني، ففي النوادر‏:‏ تؤخر الحامل حتى تضع، وكذلك في الجراح المخوفة‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في مستوفيه؛ وفي الكتاب‏:‏ للوصي أن يستوفي لموليه إذا جرح، والولي مقدم عليه في القتل، ووارث الولي كالولي في القتل والعفو، وإن قتل الأولياء القاتل قبل وصوله إلى الإمام، فلا شيء عليهم غير الأدب للجناية على حق الإمام، ومن قتل عمدا فكان ولي الدم ولد القاتل، كره مالك له أن يقتص وقال‏:‏ أكره له تحليقه فكيف قتله‏؟‏ وإن قتل ابن الملاعنة ببينة‏:‏ فلأمه أن تقتل، كمن قتل وله أم أو عصبة فصالح العصبة وابن الأم فلها القتل، وإن ماتت الأم فلورثتها ما كان لها، وكذلك ابن الملاعنة‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إن كان الأولياء في القصاص جماعة فهو لجميعهم على فرائض الله، وروي‏:‏ لا يدخل النساء فيه، وروي‏:‏ يدخلن إلا أن يكون في درجتهن عصبة، وعلى الدخول فهل في العقل دون القود أو القود دون العفو‏؟‏ روايتان‏.‏

البحث الرابع‏:‏ في كيفية استيفائه، وفي الكتاب‏:‏ إن قتل بحجر قتل به، أو قتله خنقا خنق، أو غرقه غرق، أو بعصى، قتل بعصا، وليس في مثل هذا عدد، وإن ضربه بعصوين ضرب بالعصا حتى يموت، أو قطع يديه، ثم رجليه، ثم

عنقه؛ قتل، ولا تقطع أطرافه‏.‏ قال ابن يونس في موضع آخر‏:‏ إن طرحه في النهر وهو لا يعلم أنه يعوم، إن كان لعداوة قتل، أو لعب فالدية‏.‏ وقال في المضروب بعصوين‏:‏ ذلك للولي يقتاد بالسيف أو بما قتل به‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إن خيف أن لا يموت في مثل هذا أقيد بالسيف، وإن رجي ذلك فضرب ضربتين كما ضرب، فإن لم يمت ورجا، زيد ضربتين‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ لا يقتل بالنبل، ولا بالرمي، ولا بالحجارة؛ لأنه لا يأتي على ترتيب القتل بل تعذيب، ولا بالنار، لأنه تعذيب‏.‏ وقوله‏:‏ لا تقطع أطرافه، يريد‏:‏ إلا أن يفعله تعذيبا، ومثله فيصنع به مثل ذلك، وكذلك إن قطع أصابعه، ثم بقية كفه، قال اللخمي‏:‏ أصل القصاص‏:‏ التسوية، وما تقدم من اقتصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر من اليهود، ومتى طلب الولي القود بأخف مما له، لم يمنع؛ لأنه ترك بعض حقه، أو بالأشد، كقتل الأول بالسيف، فأراد الثاني بالرمح، منع، فإن ذبح الأول لم يمنع من السيف، أو بالنار لم يمنع من الرمح، أو بالرمح منع من النار، أو بالسم‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ينظر الإمام فيه، والأصل‏:‏ إن سقى سما أو طرح من شاهق على سيف أو رمح أقيد بالسيف؛ لأن الأول قد يخطئ قتله فيكون تعذيبا وطولا، وأصل قول مالك‏:‏ الفوت بالأول، وإن أمكن الخطأ، والظالم أحق أن يحمل عليه، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم‏)‏ قال‏:‏ وأرى أن يمثل به بعد القتل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقتص في الموضحة بمساحتها وإن أخذت جميع رأس الثاني، ومن الأول نصفه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن استوعب الرأس ولم يكمل‏.‏ القياس‏:‏ قال مالك‏:‏ لا شيء له، كما لو مات الجاني ولا يتم له من الجبهة، وقال أشهب‏:‏ إن

أٍخذ ما بين قرنيه ‏(‏أخذ من الثاني قرنيه‏)‏ وإن كان أكثر وإن نصف بنصف؛ لأنها المماثلة في العضو‏.‏ قال مالك‏:‏ إن قطع ثلث أصبع طويلة‏:‏ قطع من الثاني ثلث أصبعه وإن كانت قصيرة، وكذلك الأنملة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إن قتله في الحرم جاز قتله فيه، أو في الحل فوجد في الحرم، جاز القود فيه، قاله مالك‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ويقتل وهو محرم، وتفعل حدود الله تعالى كلها في الحرم، وقال ‏(‏ش‏)‏ وفي الجواهر‏:‏ يخرج من المسجد فيقتل خارجه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقتل، بل يضيق عليه حتى يخرج، ووافقنا في قطع الأطراف ‏(‏وحد الزنا‏)‏ وإذا ابتدأ القتل فيه وعلى الحدود‏.‏ لنا‏:‏ عمومات القصاص، والقياس على مبتدئ القتل فيه، والأطراف، وحد الزنا، وشرب الخمر، وبالأولى، لأن الحدود تسقط بالرجوع عن الإقرار وبغيره‏.‏ احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن دخله كان آمنا‏)‏ وبالقياس على ما إذا دخل البيت الحرام؛ ولأنه إذا امتنع قتل الصيد فالآدمي أولى‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنكم خالفتم الأمر بمنعكم إياه الطعام والشراب؛ ولأنه خبر عما مضى، ولا نسلم أن ‏(‏من‏)‏ شرطية، ولا أن ‏(‏كان‏)‏ للدوام، وأنتم لا تؤمنوه إذا ابتدأ القتل، ولا في الأطراف؛ ولأن الذبائح تقع فيه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن حرمة البيت أعظم‏.‏

وعن الثالث‏:‏ إن الصيد غير جان ولا أنه ظالم بخلاف الآدمي‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إن زاد الطبيب المستحق على المستحق في القصاص فعلى عاقلته إن بلغ الثلث من الدية، وإلا فعليه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يؤخذ القصاص فيما دون النفس للحر المفرط، والبر المفرط ومرض الجاني لئلا يتعدى القصاص إلى الجناية، ويمنع من الموالاة في قطع الأطراف خوف القتل، والحامل حتى تضع عند ظهور مخايله لا بدعواها في الجراح المخوفة، وبعد الوضع إلى كمال الرضاع إن تعذر من يرضعه، وتحبس الحامل في الحد والقصاص، فإن بادر الولي فقتلها فلا غرة في الجنين إلا أن يزايلها قبل موتها فالغرة ما لم يستهل‏.‏

فرع‏:‏

قال القاضي أبو بكر‏:‏ من قتل بشيء قتل به إلا في وجهين وصفتين‏:‏ الوجه الأول‏:‏ المعصية كالخمر واللواط‏.‏ الثاني‏:‏ النار والسم، وقيل‏:‏ يقتل بها‏.‏ والصفة الأولى، فروى ابن نافع‏:‏ إن كانت الضربة مجهزة قتل بها، أو ضربات، فلا؛ لأنه تعذيب، وقد تقدم الخلاف فيه‏.‏ الصفة الثانية‏:‏ إذا قطع أربعته ويمينه قصد التعذيب، فعل ذلك به، كما ‏(‏فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالعرنيين فسمل أعينهم كما سملوا‏)‏ أو لا على قصد التعذيب في مدافعة ومضاربة، قتل بالسيف، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في المماثلة في آية القصاص من حيث الجملة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا قود إلا بالسيف‏.‏ لنا‏:‏ ما في البخاري‏:‏ ‏(‏أن اليهودي رض رأس الجارية بين حجرين على أوضاح لها، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين‏)‏ الحديث‏.‏ وقد تقدم‏.‏ احتجوا‏:‏ بما روي عن

النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا قود إلا بالسيف‏)‏ وأجابوا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ إنما قتله للحرابة على مال الجارية لا للقصاص، فإن الأوضاح حلي من الفضة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن المحارب لا يقتل بالحجارة إجماعا، فكيف جاز لكم ترك إجماع الأمة لما لم يصح ومعنا ظاهر القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏)‏ وقال صاحب المنتقى‏:‏ المشهور عند مالك وأصحابه‏:‏ القصاص بالنار إذا قتل بها، وهو مخالف لما تقدم في الجواهر‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يقتص بالنار خلافا ل‏(‏ح‏)‏، لنا‏:‏ قوله تعال‏:‏ ‏(‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏)‏ وما تقدم من الظواهر‏.‏ احتجوا‏:‏ بنهيه عليه السلام عن المثلة، وبقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يعذب بالنار إلا رب النار‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه يتعين حمله إما على سببه؛ لأنهم كانوا يمثلون بالأنعام بقطع أيديها، أو يحمل على عمومه في تمثيل لم يتقدم له مقتض جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الأدلة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه ظاهر في العذاب على الكفر والمعاصي لا القصاص، فإن لفظ العذاب ظاهر في ذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال البصري في تعليقه‏:‏ إذا مات من القصاص في الأطراف فلا شيء فيه قاله

مالك‏:‏ و‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن قطع يده فمات ضمن نصف الدية‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل‏)‏ وقياسا على قطع الإمام يد السارق‏.‏ احتجوا‏:‏ بأن حقه في الطرف لا في النفس فأفسد ما ليس له فيضمنه‏.‏

والجواب‏:‏ أنه أفسده بسبب مشروع، وإنما يضمن حيث لم يشرع له الفعل‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال مالك، يقيم الإمام أهل المعرفة فيقتصوا بأرفق ما يقدر عليه ويجزئ الرجل العدل الواحد فيشرط في رأسه مثل الموضحة، وينزع السن بالكلبتين بأرفق ما يقدر عليه، وإن كسر أطرافها أو بعضها ينحل من الجانب بقدر ذلك‏.‏

فائدة‏:‏ إنما سمي القصاص قودا؛ لأن العرب كانت تقود الجاني بحبل في رقبته فتسلمه، فسمي القصاص قودا؛ لأنه كان يلازمه‏.‏

الأثر الثاني المترتب على الجناية‏:‏ الدية

في التنبيهات‏:‏ هي من الودي وهو الهلاك، ومنه‏:‏ أودى فلان أي هلك، وهي تجب بسبب الهلاك، فسميت منه، أو من التودية وهي شد أطباء الناقة لئلا يرضعها فصيلها، والدية يمنع من يطالب بها من القود الجناية، أو من‏:‏ دوأت الشيء مهموزا أي‏:‏ شديته؛ لأنها تسكن الطلب فيستوي الناس في السكون عن المطالبة‏.‏ وفي الدية ستة أركان‏.‏

الركن الأول، في جنسها ومقدارها‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ لا يؤخذ فيها إلا الإبل والدنانير والدراهم، وإنما قوم عمر رضي الله عنه الدية على أهل الذهب‏:‏ ألف دينار، وعن أهل الورق‏:‏ اثني عشر ألف درهم؛ حين صارت أموالهم ذهبا وورقا، وترك دية الإبل على أهلها، فأهل الذهب‏:‏ أهل الشام ومصر، وأهل الورق‏:‏ أهل العراق، وأهل الإبل‏:‏ أهل البادية والعمودية، ولا يقبل من أهل صنف صنف غيره، ولا يقبل بقر ولا غنم ولا عروض وأصل الدية‏:‏ الكتاب، والسنة، والإجماع، فالكتاب‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا‏)‏ الآية، وفي الموطأ‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم في العقول‏:‏ إن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة مثلها، وفي المنقلة العشر ونصف العشر، وفي العين خمسون، ‏(‏وفي اليد خمسون‏)‏ وفي الرجل خمسون، وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل، وفي السن خمس، وفي الموضحة خمس‏)‏‏.‏ وفي غير الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏في اللسان الدية، وفي الذكر الدية، ‏(‏وفي الإست الدية‏)‏ وفي العقل الدية، وفي الصلب الدية، وفي الشفتين الدية‏)‏ وفي الموازية‏:‏

‏(‏قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف بالدية كاملة، وفي الأرنبة منه بالدية كاملة‏)‏ وقضى عمر رضي الله عنه فيمن ضرب بحجر في رأسه فذهب كلامه، وفي آخر ضرب بحجر في رأسه فذهب سمعه ولسانه وعقله وإصابة النساء بأربع ديات وهو حي، وأجمع العلماء على وجوبها في الجملة، قال ابن يونس‏:‏ كتبه له النبي عليه السلام حين بعثه إلى نجران‏.‏ قال أصبغ‏:‏ أهل المدينة ‏(‏ومكة الآن أهل الذهب، قال صاحب المنتقى‏:‏ قال مالك‏:‏ قومها رضي الله عنه‏)‏‏.‏ فكانت قيمتها فمن الذهب ألف دينار، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم‏.‏ فاستقرت على ذلك الدية لا تتغير بتغير الأسواق‏.‏ وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأحمد‏:‏ تقوم على أهل الذهب والورق فتكون قيمتها الدية والأصل‏:‏ الإبل‏.‏ لنا‏:‏ أن عمر رضي الله عنه قومها بذلك بحضرة المهاجرين والأنصار، فدل على أن ذلك عام، وإن اختلفت القيم، وإلا كان يقول‏:‏ قوم دية واحدة على أهل الذهب، ودية أخرى على أهل الغنم والذهب والورق، ويروى ذلك عن الفقهاء السبعة‏.‏

نظائر‏:‏ الدنانير خمسة؛ ثلاثة في الدماء‏.‏ اثنا عشر‏:‏ الدية، والسرقة، والنكاح‏.‏ واثنا عشر‏:‏ الزكاة والحرية، فلنا القياس على الدماء‏.‏ وقال أشهب‏:‏ أهل الحجاز أهل إبل، ومكة منهم، وأهل المدينة أهل ذهب، وفي الجلاب‏:‏ أهل المغرب أهل ذهب، قال ابن حبيب‏:‏ أهل الأندلس أهل ورق، وفي الجلاب‏:‏ أهل فارس وخراسان أهل ورق، وقال صاحب المنتقى‏:‏ عندي‏:‏ يجب أن ينظر إلى غالب أموال الناس في البلد، وربما ينتقل

الغالب فتنتقل الدية، وأشار إلى هذا أصبغ بقوله‏:‏ أهل مكة والمدينة اليوم أهل ذهب، ولا يؤخذ فيها غير الثلاثة خلافا لأبي يوسف ومحمد بن الحسن في قولهما‏:‏ يؤخذ من أهل البقر‏:‏ مائتا بقرة، ومن أهل الغنم‏:‏ ألف شاة، ومن أهل الحلل‏:‏ مائتا حلة يمانية‏.‏ لنا‏:‏ ما تقدم من أثر عمر رضي الله عنه، ولأن الحلل عروض تشبه العقار، ولأن الإبل سهل نقدها، والنقدان يتيسر حملهما بخلاف النامي‏.‏ قال اللخمي‏:‏ المراعي في الدية كسب الغارمين دون أولياء القتل في الإبل والنقدين‏.‏ ودية الخطأ من الإبل أخماس‏:‏ عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة‏.‏ وفي العمد أرباع‏:‏ ربع المائة، بنت مخاض، وربعها بنت لبون، وربعها حقاق، وربعها جذعات‏.‏ وسقط ابن اللبون الذكر‏.‏ وفي شبه العمد أثلاث‏:‏ ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أهل الورق، لكن لفظ الأثر‏:‏ قوم الدية على أهل القرى، فجعلها على أهل الذهب ألف دينار؛ ولأنه أتى بصيغة العموم في الدية، والقرى، فعم الحكم القرى والديات وإن اختلفت أسواقها في المستقبل، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا؛ ولأن للتقدير فيها مدخلا فوجب أن يكون كل واحد أصلا في نفسه كالزكاة‏.‏ احتجوا‏:‏ بما روي أنه كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم، وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رضي الله عنه فقام خطيبا فقال‏:‏ إن الإبل قد غلت، فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى

أهل البقر‏:‏ مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل‏:‏ مائتي حلة‏.‏ وفي بعض الطرق‏:‏ ‏(‏كان النبي عليه السلام يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق، ويقومها على أثمانها فإذا غلت رفع في ثمنهما، وإن هانت نقص من ثمنها‏)‏، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏ فجعل في كل نفس ذلك، فمن ادعى غيره فعليه الدليل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الدية من الورق عشرة آلاف‏.‏ لنا‏:‏ ما في أبي داود ‏(‏أن رجلا قتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألف درهم‏)‏؛ ولأثر عمر المتقدم‏:‏ احتجوا بالقياس على الزكاة، والفرق‏:‏ أن الزكاة مواساة تيسرت أسبابها بتعليل قضائها، والدية واحدة فغلظت؛ ليكون الزجر أتم‏.‏ وعن أحمد‏:‏ أن أصل الدية‏:‏ الإبل والبقر وأولادها، قال ابن القاسم‏:‏ أي سن كانت، وقال أشهب‏:‏ ما بين الثنية إلى بازل عامها، وهو مروي في النسائي؛ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ العمد أثلاث كالمغلظة، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من قتل عمدا رفع إلى أولياء المقتول، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم الحر، ودية نسائهم على النصف من دية رجالهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، والمجوسية أربعمائة درهم وجراحاتهم من دمائهم كنسبة جراح المسلمين من ديته، ووافقنا أحمد في الجميع، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ دية أهل الكتاب ثلث دية الحر المسلم، ووافقنا في المجوسي، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ دية كل كافر مجوسي أو غيره دية الحر المسلم‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏ على أن ‏(‏ح‏)‏ لا يدي بالمفهوم، وروى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏دية المعاهد نصف دية المسلم‏)‏، وروي‏:‏ ‏(‏قضى عليه السلام أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين‏)‏ رواه الترمذي، وفي لفظه‏:‏ ‏(‏دية المعاهد نصف دية الحر‏)‏ قال الخطابي‏:‏ ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده، ولأنه نقص فيؤثر النصف كالأنوثة‏.‏ احتجوا‏:‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة‏)‏ ‏(‏فسوى في الرقبة‏)‏ وسوى في الدية، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل دية اليهودي مثل دية المسلم‏.‏

وروى الزهري أن دية المشرك كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ألف دينار إلى زمن معاوية رضي الله عنه جعل نصفها في مال القاتل، ونصفها في ‏(‏بيت المال؛ ولأن ديات عبيدهم يستحقونها‏)‏ ما بلغت كعبيد المسلم فهم أولى من عبيدهم، ونقصان الدين لا يؤثر كالفسوق، واحتج ‏(‏ش‏)‏ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في دية النصراني بأربعة آلاف درهم‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ قال مالك في النوادر‏:‏ الآية في هدنة النبي صلى الله عليه وسلم إنه من أصيب منهم ممن أسلم ولم يهاجر ففيه الدية إلى أهل الكفار الذين كان بين أظهرهم، وقوله تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏(‏وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة‏)‏ ولم يذكر دية فيمن أسلم ولم يهاجر من مكة فلا دية له؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا‏)‏ مع أن قوله تعالى ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ما مضى دية‏.‏

وعن الثاني والثالث‏:‏ منع الصحة‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن العبيد لا تتعدى جزيرة الكفر، بخلاف النفس الكافرة‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن الفسوق أخف، ولا يمنع جريان أحكام الإسلام، وعن حجة ‏(‏ش‏)‏‏:‏ أن سندنا أرجح، وفي الجواهر‏:‏ المعاهد كالذمي ودية

نساء كل صنف دية رجالهم، ودية المرتد في قوله دية المجوسي في العمد والخطأ في نفسه وجراحه، رجح إلى الإسلام أو قتل على دينه، ذكره ابن القاسم‏.‏ وعن أشهب‏:‏ عقل المؤمن الذي ارتد إليه، وعنه‏:‏ قتله هدر؛ لأنه مباح الدم‏.‏ وفي النوادر‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ إن قبلت الدية مبهمة فهي أربعة أسنان كما تقدم، بذلك مضت السنة، وأما إن تراضوا على شيء فهو ذلك‏.‏ قال مالك‏:‏ وتحرير دية الخطأ في الجراح على أسنانها الخمسة، ففي الأنملة ثلاثة أبعرة وثلثا بعيرين ‏(‏وثلث بهيمة‏)‏ كل صنف يكون له شريكا، وكذلك بقية الديات، وإن قبلت في العمد‏:‏ فخمسة أسداس من كل سن من دية العمد المربعة‏.‏ قال ابن القاسم في خطأ الأنملة يؤتى بعشرة أبعرة دية الأصبغ على أسنانها، فيكون فيها شريكا بالثلث، يجبر على ذلك، وأنكره سحنون وقال‏:‏ لا يلزمه إلا أن يأتي ‏(‏بخمسين إلا ثلثا منهن خمسة صحيحة وثلث من كل فريضة أو يأتي‏)‏، بفريضة يشاركه بثلثيها، أو يشتري ذلك له منها‏.‏

الركن الثاني‏:‏ في محلها الذي تجب فيه كاملة أو بعضها، وقد تقدمت النصوص الدالة على الديات أول الركن الأول‏.‏ وفي الكتاب في الأنف‏:‏ الدية، قطع من المارن أو من أصله، وفي الحشفة‏:‏ الدية كما في الذكر، وفي بعض الحشفة بحساب ما نقص، ويقاس من الحشفة لا من أصل الذكر، وما قطع من الأنف يقاس من المارن لا من أصله؛ لأن اليد إذا قطعت من الكف تم عقلها، أو أنملة فبحسابها، وإن خرم الأنف أو كسر خطأ فبرئ على

غير عثم فلا شيء فيه، أو على عثم فلا شيء فيه، أو على عثم ففيه ‏(‏الاجتهاد، وقال سحنون‏:‏ ليس فيه اجتهاد؛ لأن الأنف إذا قرض فإن برئ على عثم ففيه‏)‏ بحسب ما نقص من ديته، وكل نافذة في عضو إن برئت على غير عثم ‏(‏فلا شيء فيه‏.‏ وإلا فالاجتهاد، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثم‏)‏ ففيها ديتها دية مسماة، بخلاف خرم الأنف، وفي موضحة الخد عقل الموضحة وليس الأنف ولا اللحي الأسفل من الرأس في جراحهما؛ لأنهما عظمان منفردان، بل الإجتهاد، وليس فيها سوى الرأس من الجسد إذا وضح عن العظم عقل الموضحة، وموضحة الرأس أو الوجه إذا برئت على شين زيد في عقلها بقدر الشين، وعظم الرأس من حيث أصابه فأوضحه فموضحته ونواحيه سواء، وحد ذلك منتهى الجمجمة، وأسفل من ذلك من العين لا موضحة فيه، والموضحة أو المنقلة لا تكون إلا في الوجه والرأس، وحد الموضحة‏:‏ ما أفضى إلى العظم، ولو بقدر إبرة، والمنقلة‏:‏ ما أطار فراش العظم وإن صغر، ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو مدخل إبرة، والجائفة ما أفضى إلى الجوف ولو مدخل إبرة، وإذا نفذت الجائفة إلى الجانب الآخر فاختلف فيه قول مالك‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وأحب إلي أن يكون فيها ثلث الدية، وفي اللسان إن قطع من أصله، أو قطع منه ما منع الكلام‏:‏ الدية، وإن لم يمنع من الكلام شيئا‏:‏ ففيه الإجتهاد بقدر شينه إن شانه، وإنما الدية في الكلام لا في اللسان كالدية في السمع، لا في الأذنين، وفي نقص الحروف فبقدر ذلك، ولا يعمل في نقص الكلام على عدد

الحروف، فرب حرف أثقل من حرف في النطق، لكن بالاجتهاد، فإن أخذ في الحشفة الدية، ثم قطع عسيبه ففيه الاجتهاد، وينتظر بالعقل والقود في الجراح‏:‏ البرء، فإن طلب تعجيل الدية - إذ لا بد له منها عاش أو مات - لم تجب لذلك، ولعل أنثييه أو غيرهما تذهب من ذلك، ولا تعجل دية الموضحة لعله يموت فتكون فيه القسامة، وكذلك المأمومة توقف للقسامة‏.‏ قيل لمالك‏:‏ اللسان يعود يلبث‏؟‏ قال‏:‏ ينتظر إلى ما يصير إليه، إن منع الكلام فالدية، ولا ينتظر القود، وفي الصلب الدية، وكذلك إن قعد عن القيام كاليد إذا شلت، وإن مشى وبرئ على عثم أو على حدب ففيه الإجتهاد، وإن عاد الصلب فأصيب في الخطأ لا شيء فيه، وكذلك جميع الخطأ؛ لعدم الفوت فلا يجب البدل بخلاف القصاص؛ لأنه بدل الألم، وإن عاد العضو بحاله، وفي اليدين‏:‏ المنكب أو الأصابع فقط الدية، وفي العقل الدية، وفي الأذن إذا اصطلمت أو شدخت‏:‏ الإجتهاد، وفي الأذنين‏:‏ الدية إذا ذهب السمع اصطلمتا أو بقيتا، وإن رد السن فنبتت أو دونه فله القود في العمد، وله العقل في السن في الخطأ، وفي كل سن خمس من الإبل، والأضراس والأسنان سواء، وفي السن السوداء خمس من الإبل كالصحيحة لبقاء المنفعة، إلا أن يكون يضطرب اضطرابا شديدا، ففيها الاجتهاد، وفي السن المأكولة بحساب ما بقي، وفي جفون العين وأشفارها‏:‏ الإجتهاد، وفي حلق الرأس إن لم ينبت‏:‏ الإجتهاد، وكذلك اللحية، ولا قصاص في غير هالك، وكذلك الحاجبين، وإن برئ الظفر على عثم ففيه الإجتهاد، وإن

انخسفت العين أو ابيضت وذهب بصرها وهي قائمة، ففيها الدية؛ لذهاب المنفعة، وإن نزل ثم برئت رد الدية، وينظر بالعين سنة فإن مضت السنة وهي منخسفة انتظر برؤها، ولا يقاد إلا بعد البرء، وإن سال دمعها انتظرت سنة، فإن لم يرقأ دمعها فحكومة، وفي شلل اليد أو الرجل الدية؛ لعدم المنفعة، وفي شلل الأصابع الدية، وفيها إن قطعت بعد ذلك الحكومة، ولا قود في عمدها، وفي الأنثيين إذا أخرجتا أو رضتا‏:‏ الدية، وفيهما مع الذكر ديتان، وإن قطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية، والبيضة اليمنى واليسرى في كل واحدة‏:‏ نصف الدية، وفي كل شفة نصف الدية، وفي إليتي الرجل والمرأة حكومة، وفي ثدي الرجل‏:‏ الاجتهاد، وفي ثدي المرأة‏:‏ الدية؛ لمنفعتهما وقطع حلمتيهما وإبطال مخرج اللبن الدية، فكذلك ثدي الصغيرة إن تيقن ‏(‏أنها لا تعود‏)‏ وأبطلهما أو شك فيه، وضعت الدية، وانتظرت كسن الصبي، فإن مات قبل أن يعلم الدية، وفي المفصلين من الإبهام عقل أصبع؛ لأنهما أصبع، وفي كل مفصل عقل الأصبع، ومن قطعت إبهامه فأخذ ديته ثم قطع العقد الذي بقي من الإبهام في الكف فحكومة، وكذلك في الكف إذا لم يكن فيها أصبع، وفي أصبعين مما يليهما من الكف خمسمائة الكف، ولا حكومة له مع ذلك‏.‏

فائدة، في التنبيهات‏:‏ العثم والعثل باللام والعين المهملة المفتوحة والثاء المثلثة مع اللام، وساكنة مع الميم بمعنى واحد، وهو الأثر والشين، وقد تقدمت أسماء الجراح‏.‏ قال‏:‏ وظاهر الكتاب‏:‏ تعجيل القود في سائر الأعضاء كما يقاد في الجراح، وإن نبت لحمها، وإنما الانتظار في اللسان في الدية لاحتمال أن ينبت فلا دية، أو ينبت بعضه فبحسابه، وخرج بعضهم تأخير القود على قوله في سن الصبي، وثدي الصغيرة إذا نبت إنه لا قود،

وينتظر نباته، قال وليس كذلك؛ لأن السن يسقط غالبا بالإثغار، فإذا نبتت فكأنه لم يجن عليها، وثدي الصغيرة كأنه لم يقطع؛ لأنه ليس بموجود وإنما قطع حلمته، فإذا كبرت لم يبطل اللبن فلا شيء عليه إلا الشين، وإن بطل اللبن والجاني رجل فالدية؛ إذ لا مثال له في الرجل، أو امرأة فالقصاص، واختلف في الاستيناء بالجرح سنة إذا ظهر برؤها فيها، فتأول بعض الشيوخ لا بد من السنة مخافة انتقاضه حتى تمر عليه الفصول الأربعة، وإليه ذهب ابن شاس، وخالفه غيره وقال‏:‏ متى برأت عقلت، وهو ظاهر الأصول، ولا معنى للانتظار بعد البرء‏.‏ في الموازية‏:‏ يستأنى بالعين فإن استقرت بمقرها عقل ما ذهب منها، وإن كان قبل السنة، واختلف إن مضت السنة في الجرح قبل البدء‏:‏ ففي الكتاب‏:‏ ينتظر برؤها ولا قود ولا دية إلا بعد البرء‏.‏ قال أشهب‏:‏ تعقل بحالها عند تمام السنة، ويطالب بما زاد بعدها‏.‏ قال اللخمي‏:‏ لذلك ثلاثة أحوال‏:‏ إن كان دون الثلث ويجب تناسيه ثم عليه، وإن أمن تناسيه لم يعقل كالموضحة، قال ابن القاسم‏:‏ لا يعقل إلا بعد البرء، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يعقل وإن كانت الدية فيوم ما أخذه، والعين الدامعة لا ينتظر بها بعد انقضاء السنة، بخلاف العين المنخسفة؛ لأن الخسف جرح يبرأ فينتظر البرء، والدمع يدوم أبدا فلا يزاد على السنة‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إذا أخرقت الجائفة‏.‏ الذي قاله ابن القاسم‏:‏ من ثلث الدية‏.‏ قاله أشهب وغيره، وقضى به الصديق رضي الله عنه، وعن

الصديق‏:‏ ثلثا الدية وجعلها جائفتين، وإذا برئت الجراح المقدرة كالموضحة وغيرها على شين‏:‏ فرواية لابن القاسم‏:‏ يزاد للشين‏.‏ وعن مالك‏:‏ لا يزاد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر ذلك ولم يذكر شيئا، ولأن الموضحة تكون قدر الإبرة، وعقلها عقل العظيمة، فكذلك الشين‏.‏ قال مالك‏:‏ وليس للمجروح أجرة الطبيب، ورأى مالك مرة في إشراف الأذن الدية ثم قال‏:‏ حكومة؛ لعدم المنفعة، ولاحظ في الأول‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في الأذن خمسون من الإبل‏)‏ ولأنهما يجمعان الصوت للصحاح، وروى ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنما أريد بالأذن السمع‏)‏ وهو كلام العرب‏:‏ أذن الرجل إذا سمع، وعن أشهب‏:‏ إذا ردت السن أو الأذن في الخطأ فبرئت لا شيء فيهما‏.‏ قال مالك‏:‏ وإذا رد الأذن فلم ينبت فاقتص، فردها الجاني فنبتت، فالمجروح عقل أذنه وسنه، وكذلك لو نبتت الأولان ثم اقتص فنشئا للجاني أيضا للأول العقل، وإن لم ينبت للجاني فلا شيء له؛ لأن نبوتهما يبطل حكمة القصاص من التشفي، ولا قصاص مرتين، فله العقل، وقضى عمر رضي الله عنه‏:‏ في الترقوة بجمل، وفي الضرس بجمل، وفي الضلع بجمل‏.‏ قال سعيد بن المسيب‏:‏ لما قضى معاوية رضي الله عنه في الضرس بخمسة أبعرة يريد الدية في قضاء عمر، ولو كنت أنا؛ لقضيت في الأضراس ببعيرين فتتم الدية سواء‏.‏ وقاله ابن أبي مسلمة ومحمد، وفي الأضراس‏:‏ عشرون، والأسنان اثنا عشر، أربع ثنايا، وأربع رباعيات،

وأربعة أنياب، قاله ابن مزين؛ وهو يأتي على قول ابن المسيب، وغير ابن مزين يقول‏:‏ الأضراس ستة عشر، ويريد‏:‏ أربع ضواحك، وهي التي بين الأنياب، وإن ضرب السن فاسودت، ثم عقلها، وإن طرحت بعد ذلك تم عقلها أيضا، قاله عمر فيها، وقاله مالك، فإن احمرت أو اصفرت فبحسابها‏.‏ قال أشهب‏:‏ الحمرة أقرب للسواد، ثم الخضرة ثم الصفرة، وفي ذلك كله بقدر ما ذهب من بياضها، وقال أشهب‏:‏ إذا ذهب بياض العين أو ماؤها بعد أخذ عقلها لم يزد شيئا إذا استؤني بها‏.‏ قال‏:‏ ولعل ذلك بقضاء قاض، وإذا لم يبق في الكف أصبع ففي قطعه حكومة، وقال أشهب‏:‏ لا شيء فيه‏.‏ قال مالك‏:‏ إذا كانت خلقة يده على أربعة أصابع، ففي كل أصبع عشر من الإبل، وكذلك إن كانت ثلاثة أو أصبعين؛ لأنه ظاهر النص، ومن في كفه أصبع زائدة ‏(‏قوتها كقوة الأصابع‏)‏ فعقلها عشر من الإبل، ولا قصاص فيها عمدا لعدم النظير، وإن قطعت يده كلها فستون من الإبل، وإن كانت الزائدة ضعيفة فقطعت يده لم يزد في ديتها، وإن قطعت وحدها فحكومة، ثم إن قطعت اليد فديتها، ولا يحاسب بالحكومة‏.‏ قال أشهب‏:‏ إلا أن ينقص ذلك من قوة الأصابع فيحاسب‏.‏

وعن مالك في الذكر والأنثيين المقطوع منهما أولا؛ فيه الدية، وفي الثاني حكومة؛ لعدم الإنتفاع به وحده، وقيل‏:‏ إن قطعا معا وبدأ من أسفل‏:‏ فديتان، أو من فوق فدية وحكومة؛ لأن الذكر ينتفع بإيلاجه، بخلاف الأنثيين، وعن ابن حبيب‏:‏ إن قطعتا بعد الذكر فلا دية فيهما، وفي الذكر الدية قطع قبل أو بعد، أو قطع الجميع في مرة فديتان، كان القطع من فوق أو أسفل، وقيل في اليسرى من البيضتين دية كاملة؛ لأن منها النسل، واليمنى اللحية، وفي الشفة العليا ثلثا الدية؛ لأنها للستر والشارب،

ومنع مائية الأنف، وعكس سعيد بن المسيب وغيره‏:‏ لأن السفلى تمنع جريان اللعاب والطعام، والصحيح المشهور‏:‏ أن اليد اليمنى أشد وأنفع ولم يعصها أحد، وقال ابن القاسم في إليتي الرجل والمرأة‏:‏ حكومة؛ لأنها للجمال، وقال أشهب‏:‏ في إليتي المرأة‏:‏ دية كاملة؛ لأنها تنتفع بها عند زوجها، بل مصيبتها فيها أعظم ‏(‏من الثديين وعينيها ويديها‏)‏، وقال مالك في شفري فرج المرأة تجب الدية كاملة وفيما هو واحد في الإنسان، وهو ستة عشر‏:‏ السوأة، وجلدة الرأس، والعقل، والأنف، والشم، واللسان إذا امتنع الكلام، والصوت، والذوق، والصلب والصدر إذا صدمه‏.‏ قاله عبد الملك‏.‏ وقال ابن عبدون‏:‏ حكومة، والذكر والنسل إذ أفسد الإنعاظ، وفرج المراة إذا أفضاها فيبطل الاستمتاع، أو جذام الرجل أو برصه أو أسقاه فسود جسمه، والدية في كل اثنين ‏(‏من الأسنان، وفي كل واحد نصف الدية وهي عشر لعين والسبع ولشرف الأذنين‏)‏ على اختلاف قول مالك، والشفتان، واليدان، والرجلان، والأنثيان، وثديا المرأة، وشفراها، وإليتاها على قول أشهب‏.‏ وفي جفون العين والحاجبين حكومة، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأصحاب الرأي‏:‏ فيها الدية في كل جفن ربع الدية ‏(‏وقال سعيد بن المسيب‏:‏ في الحاجبين الدية‏)‏ وقياس قول مالك في السن تسود أن فيها عقلها‏.‏ قال‏:‏ لأنه أذهب جمالها، وإن بقيت منفعتها أن في الجفون الدية، بل أولى؛ لأن ذهابها أفحش وأضر بالبصر، وتجب في العقل إن كان مطبقا لا يفيق، فإن كان يذهب عقله يوما وليلة من الشهر‏:‏ فله من الدية جزء من ثلاثين، وعلى هذه النسبة، فإن لازم النقص وبقي تمييز فبحسابه يقوم عبدا صحيحا ومعيبا، وتلزم تلك النسبة ‏(‏من الدية‏)‏‏.‏

وعن مالك في الذكر أن ما نقص منه يقاس بحسابه، وهو أشبه بقوله عليه

السلام‏:‏ ‏(‏إذا أوعب جدعه‏)‏ وقال ابن القاسم‏:‏ إذا ذهب الأنف والشم معا فدية واحدة‏.‏ قال صاحب الجلاب‏:‏ والقياس‏:‏ ديتان‏.‏ والأول أحسن؛ كاللسان والذكر، وإذا ذهب مع اللسان الصوت والذوق لم يرد شيئا، وإن ذهب بعض كلامه وصوته فالدية كاملة، أو نصف كلامه ونصف صوته فثلاثة أرباع الدية‏:‏ النصف لنصف الكلام، ويسقط ما يقابله من الصوت، وهو النصف؛ لأنه لو ذهب كل الكلام والصوت لم يزد للصوت شيء وفي الصلب ثلاثة أقوال‏:‏ إذا أقعد عند ابن القاسم كاليد إذا شلت، وفي الحدب والعقل‏:‏ الاجتهاد، وعن مالك‏:‏ إذا انحنى فبقدره، وقيل‏:‏ فيه الدية إذا صار كالراكع، وما دون ذلك فبحسابه‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ فيه الدية إذا عجز عن الجلوس، وإن نقص عن جلوسه فيقدر من الدية، قال اللخمي‏:‏ وتصح فيه الدية للأمرين‏:‏ إذا قدر على المشي منحنيا وإن لم يبلغ الركوع، وإذا أفسد قيامه وصار كالراكع، وإن كان يقدر على الجلوس ولم يبلغ الركوع، فبحساب ما بين قيامة معتدلا وراكعا، فإن استوى ما بينهما فنصف الدية، وقال عبد الملك‏:‏ في الصلب ثلاث وثلاثون فقارة، في كل فقارة ثلاثة من الإبل، فراعى الصلب دون ما يترتب عليه من المشي‏.‏

وعن مالك في قطع الذكر والأنثيين معا‏:‏ دية واحدة فيصير فيهما بما تقدم خمسة أقوال‏:‏ وللذكر ستة أحوال‏:‏ الدية في ثلاثة، وتسقط في واحد، ويختلف في اثنين؛ فالثلاثة‏:‏ قطعة أو قطع الحشفة وحدها، أو يبطل النسل منه بطعام أو شراب، وإن لم يبطل الإنعاظ، وتسقط إذا وقع بعد قطع الحشفة، ففيه حكومة، ويختلف إذا قطعه ممن لا يصح منه النسل وهو قادر على الاستمتاع، أو عاجز عنه، والشيخ الكبير، ولمالك في العنين والذي لم يخلق لم يصيب به النساء

قولان، وإن اتفقوا في الجراح المقدرة‏:‏ الموضحة، والمأمومة، والمنقلة، والجائفة؛ أن فيها ديتها وإن عادت لحالها، وقاس ابن القاسم‏:‏ اليسير عليها إذا عادت، ويختلف في الأذنين إذا ردهما فعادا، فعلى القول إن فيها حكومة‏:‏ لا شيء فيهما، وعلى القول بالدية‏:‏ فيهما الدية كالسن، وبخلاف عود السمع والبصر والعقل؛ لأنها إذا تبين أنها ما زالت، وإنما حدثت لها حجب، وإن شق الشفة وتبين ما بين الشفتين فبحسابه من الدية بقدر ما بان كل واحد منهما عن صاحبه؛ لأن ذلك يصير في معنى القطع، وإن لم يبن ما بينهما وحصل شين فحكومة، وإن اجتمع قطع وشق ففي القطع حسابه من الدية، وإن قطع من الشفة ما أذهب بعض الكلام عقل الأكثر مما ذهب منها أو من الكلام، وقيل في هذا الأصل‏:‏ يكونان له جميعا، ويستوي في الرجل من أصل الفخذ أو الركبة أو الكعبة أو الأصابع، أو إبطال منفعتها أو يبقى من المنفعة ما لا قدر له وإن لم يقطع منها شيئا، وكذلك اليد من المنكب أو الأصابع أو المنفعة فقط؛ فإن أذهب بعض المنفعة فبحسابه من الدية، وتعتبر القوة من الأصابع لا من جملة اليد إلا أن يكون ما ضعف من اليد أكثر مما ضعف من الأصابع؛ فإن أبان بعضا وضعف الباقي فبقدر ما أبان من العضو والقوة، فإن أبان نصف الأصابع ونصف القوة من الباقي فنصف الدية للمقطوع، وربعها لنصف منفعة الباقي، وإن أذهب الأصابع وبقي الباقي على قوته لم ينقص العقل أو نقصت ‏(‏منفعة‏)‏ قوته لم يزد فيه، فإن ضعفت وصغرت‏:‏ ففي الضعف بحسابه، وفي الصغر بقدر ما ذهب منها‏.‏ وعن مالك‏:‏ إن رجع إلى أن في الإبهام ثلاثة أنامل؛ لأن الثالث وإن لم يكن بائنا فهو يتحرك بحركة الإبهام، فيكون في كل مفصل ثلاثة أبعرة وثلث، وعن سحنون في الأصبع السادسة في اليد‏:‏ نصف الدية، قال‏:‏ وقد قيل‏:‏ في اليد نصف الدية، وفي

الزائد‏:‏ حكومة، ولم يفرق بين ضعفها وقوتها، وإبهام الرجل مفصلان، قولا واحدا لمناسبته في الخلقة لإبهام اليد، فليس بعد المفصلين إلا مشط الرجل، ومن أخذ عقل أصبع ثم قطع الأربع مع الكف فدية الأربع، ولا يزاد للكف شيء؛ فإن بقي ثلاثة فأقل فسواء عند سحنون، وقال ابن القاسم‏:‏ إن لم يبق إلا أصبع فديته وحكومة في الكف؛ وإن زاد فديتهما، ولا شيء في الكف‏.‏ وقال عبد الملك في الثلاث الخطأ ديتها، وفي الكف حكومة في خمسيه دون ثلاثة أخماسه؛ لأنه مقابل المأخوذ منه الدية، واختلف في الهاشمة إن هشمت العظم ولم تنقله‏.‏ قال محمد‏:‏ فيه الموضحة، وقال ابن القصار‏:‏ مع ذلك حكومة، وقال الأبهري‏:‏ فيها ما في المنقلة، والثاني أرجح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في الموضحة نصف العشر مع سلامة العظم، فلا بد للزائد من أثر، والدية في السن بأربع جنايات، طرحت أو اسودت أو طرحت بعد السواد، أو تحركت تحريكا بينا، وإن أسقطها إنسان بعد ذلك فحكومة، وإن تحركت وبقيت فيها قوة فبحساب ما ذهب من قوتها؛ فإن سقطت بعد ذلك فبحساب ما بقي، وإن نقص الكلام لذهاب الأسنان، ‏(‏فله الأكثر من دية الأسنان‏)‏ أو ما نقص من الكلام، ويحمل قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في السن خمس من الإبل‏)‏ على السن الواحدة؛ لأن الكلام لا يتغير غالبا بها‏.‏

وفي المقدمات‏:‏ في الجسد على المذهب ثمان عشرة دية‏:‏ إحدى عشرة في الرأس‏:‏ العقل، والسمع، وإشراف الأذنين عند أشهب، والبصر، والشم، والأنف، والذوق، ولا أعلم فيه نصا لأصحابنا، والكلام، والشفتان، والشوى وهي جلدة الرأس، والأضراس، والأسنان فيها عند مالك أكثر من دية‏.‏ وسبع في الجسد‏:‏ اليدان، والرجلان، والصلب، والصدر، والذكر، والأنثيان، والجماع

في المرأة ثمان أيضا، غير أن فيها ثلاثا ليست في الرجل‏:‏ الشفران، والحلمتان، والأليتان عند أشهب‏.‏ وفي الرجل ثلاثة‏:‏ الجماع، والذكر، والأنثيان‏.‏

قاعدة‏:‏ قال‏:‏ كل عضو فيه منفعة، فالدية للمنفعة، والعضو تبع؛ فإن ذهبت المنفعة وحدها ففي العضو حكومة‏.‏ ومذهب مالك‏:‏ أن العقل في القلب، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏قلوب يعقلون بها‏)‏ كما قال‏:‏ ‏(‏أعين يبصرون بها‏)‏ وعليه أكثر الفقهاء وأقل الفلاسفة، وقال عبد الملك وأكثر الفلاسفة و‏(‏ح‏)‏ والمعتزلة‏:‏ هو في الرأس؛ لأنه إذا مرض الدماغ أو جرح ذهب العقل‏.‏ وجوابه‏:‏ مسلم، ولكن لم لا يجوز أن يكون ذلك؛ لأن استقامة الدماغ شرط لا أنه محله جمعا بين الآثار والنصوص، فإن ذلك العقل في المأمومة فله عند مالك دية العقل ودية المأمومة لاختلاف الموضع، كمن أذهب عين رجل وسمعه‏.‏ وعلى رأي الآخرين دية واحدة، لاتحاد الموضع‏.‏ كمن أذهب العين والبصر والأذن والسمع‏.‏ وفي المنتقى عن مالك‏:‏ إذا ذهب الشم لا دية حتى يستأصل، لظاهر الحديث، وإن ذهب الشم مع الجدع‏:‏ فقال ابن القاسم‏:‏ دية واحدة، وقال ابن الجلاب‏:‏ القياس - عندي - ديتان، وإن وطئ امرأته فأفضاها‏:‏ فحكومة في ماله إن قصر عن الثلث، أو الثلث فعلى عاقلته، قاله مالك؛ لأنه تعدى في مأذون فيه، فله حكم الخطأ، وفي الأجنبية ففي ماله وإن جاوز الثلث مع صداق المثل؛ لأنه عمد لعدم الإذن، وإن أذهب عذرة امرأته بأصبعه ‏(‏ثم طلقها، فعليه بقدر ما شانها عند الأزواج مع نصف الصداق؛ لأن ذلك بأصبعه‏)‏ غير مأذون فيه، ولا يتم الصداق؛ لأنه ليس بوطء، قال مالك في الذكر المسترخي واللسان المسترخي من الكبر، أو ضع العين من كبر، أو ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏‏:‏ الدية كاملة، وعن أشهب‏:‏ إن أصيبت

رجله بعرق أو تنقص عينه برمد، ثم يجنى عليها فإنما له بحساب ذلك‏.‏

فرع‏:‏

في المنتقى‏:‏ إذا علاها بياض فادعى ذهاب بصره‏.‏ قال أشهب‏:‏ يقبل قوله ويشار إلى عينه، فإن لم يظهر كذبه، حلف وأخذ ما ادعى؛ لأنه لا طريق لصدقه إلا بهذا، وإن تبين كذبه لاختلاف قوله بطلت دعواه‏.‏ قال أصبغ‏:‏ إن ادعى ذهاب جماع النساء وأمكن اختباره اختبر، وإلا حلف وأخذ الدية، فإن رجع له جماعة بقرب ذلك أو ببعده رد ما أخذ، وكذلك كل ما لا يعرف إلا من قبله نحو‏:‏ كلامه وسمعه، وفي الجواهر‏:‏ يقرب إليه بيضة كما فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جهات شتى في النظر، وفي السمع‏:‏ يصاح به من مواضع شتى ويسأل، فإن تساوت أقوله أو تقاربت صدق مع يمينه‏.‏ قال أشهب‏:‏ ويحسب له ذلك على سمع وسط من الرجال مثله، فإن اختلف قوله لم يكن له شيء، وقال ابن دينار‏:‏ له الأقل مع يمينه‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إن ضرب فذهب عقله انتظر به سنة، فإن أخذ العقل ثم رجع إليه عقله‏.‏ روى أصبغ‏:‏ لا يرد شيئا؛ لأنه حكم قد قضي به‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن اسود نصف السن وتحركت فله الأكثر مثل أن يذهب ثلث قوتها فله نصف ديتها، وكذلك إن اسود ثلثها وذهب نصف قوتها ثم عقلها أو كسر بعضها بقدره فما أشرف منها لا من أصلها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم عن مالك‏:‏ إذا تمت الموضحة الخطأ إلى المنقلة، فله عقل منقلة أو عقله فله الموضحة وعقل العين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إن أصابه موضحتين، أو مأمومتين، أو منقلتين، عقل كل ذلك، قال أشهب‏:‏ إن ضربه ضربة فأوضحه موضحتين بينهما حاجز، ثم ضربه فأزاله، فثلاثة مواضح‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال محمد‏:‏ قول مالك وابن القاسم وأشهب‏:‏ إن العين إذا أصيبت خطأ وقد نقصت قبل ذلك، إن أخذ له عقل حوسب به وإن قل، وإن ضعف البصر لا يأخذ له شيئا إلا أن ينقص جزءا معلوما وإن قل، ويلزم الجاني ما بقي، وإن كان عمدا اقتص منه ولم يحاسب، وإن كان من أمر سماوي لم يحاسب، وقال مالك‏:‏ يحاسب‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إن بقي حوالي الجرح شين وكان أرش الجرح مقدرا اندرج الشين إلا في موضحة الرأس؛ فإنه يزاد على عقلها بقدر ما شانت بالاجتهاد‏.‏ روى أشهب‏:‏ لا يزاد لأنه مقدر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا وقف للصبي الذي لم يثغر عقل سنة حتى ينظر هل تجب أم لا، فمات قبل ذلك ورثت عنه، وإن لم ينبت أخذ هو العقل، فإن نبتت قدرها أخذ من ديتها قدر نصفها، وإن نبت بعضها ثم مات؛ دفع لوارثه عقلها لعدم حصول بدلها، قال سحنون‏:‏ لا يوقف كل العقل، بل مقدار ما إذا نقصت السن لم يعقل به كالعين إذا ضعفت‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ رجل الأعرج عرجا خفيفا كالصحيح إن لم يأخذ به أرشا‏.‏

تمهيد‏:‏ في ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ المنافع التي في كل منها الدية، عشرة‏:‏ العقل، والسمع، والبصر، والشم، والنطق، والصوت، والذوق، والجماع، والإفضاء فيه حكومة، وقيل‏:‏ كمال الدية؛ وهو‏:‏ اختلاط مسلك الذكر والبول، العاشر‏:‏ القيام والجلوس، فيهما الدية، فإن بطل القيام فقط؛ فعن مالك‏:‏ فيه الدية‏.‏ وعن عبد الملك‏:‏ إذا انكسر الصلب وامتنع الجلوس؛ ففيه الدية‏.‏ قال صاحب الخصال‏:‏ تسع مفردات في كل واحد منها الدية‏:‏ النفس، والعقل، والأنف، والذكر، والمارن، واللسان، والصلب إذا كسر فأقعده، وعين الأعور، والشواة وهي جلدة الرأس‏.‏ وثمانية أزواج في كل زوج الدية، وفي أحدها نصف الدية‏:‏ العينان، ونظرهما، والأذنان، واليدان، وكفاهما، ومن المرفقين، وثدي المرأة، وحلمتاها إذا بطل اللبن، وسبعة فيها الحكومة‏:‏ إليتا الرجل والمرأة، والحاجبان، وجفون العين، وأشفارها، وثدي الرجل، وشعر الرأس إذا لم ينبت، واللحية إذا لم تنبت‏.‏

تنبيه، قال مالك‏:‏ لا تكون الموضحة والمنقلة في اللحى الأسفل، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ في جميع الوجه‏.‏ لنا‏:‏ أنه يتغطى بالشعر، فهو غير مواجه، فأشبه العين، وهو ينقلب علينا بالقياس على الرأس بجامع تغطية الشعر، بل نقول عظم ‏(‏مباين لعظم الفخذ فيقاس على الساق‏)‏ وإذا جرحه وأذهب عقله فالأرش والدية، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ دية العقل فقط‏.‏ لنا‏:‏ أنهما جنايتان؛ فيكون لهما جايزان؛ كاليد والرجل‏.‏ احتجوا‏:‏ بأن العقل كالنفس، ولو سرى إلى نفسه فدية واحدة، والعقل والنفس حكمهما واحد؛ لسقوط التكليف بعدم كل واحد منهما‏.‏ وجوابه‏:‏ أن

الروح إذا فاتت لا ينتفع بعد ذلك بشيء بخلاف غيرها، وعن الثاني‏:‏ أن العقل مع بقاء النفس يتوقع عوده بخلاف النفس، وقد تستوي المختلفات في بعض الأحكام واللوازم، ولا يلزم استواؤهما في غيرها؛ لأن في يدي المجنون الدية، وفي يدي الميت الأدب فقط، ومنع ‏(‏ش‏)‏ تجاوز الحكومة الموضحة‏.‏ لنا‏:‏ القياس على قيم المتلفات‏.‏ احتجوا‏:‏ بأن المقدرات أهم في نظر الشرع، ولذلك لم يهملها، فلا يتجاوز أقلها وهو الموضحة، وجوابه‏:‏ أن هذا على أصلكم في أن التعزيز لا يزيد على الحد، ونحن نقول‏:‏ قد يتجاوز غير المقدر كالمتلفات، وميراث الإبن غير مقدر، وهو أعظم من الأخ للأم‏.‏ ونظائره كثيرة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تعاقل المرأة الرجل في الجراح إلى ثلث ديته فترجع إلى عقلها، ففي ثلاثة أصابع أنملة‏:‏ أحد وثلاثون بعيرا وثلثا بعير، فتساوي الرجل، وتخالفه في ثلاثة أصابع‏:‏ أنملة ستة عشر وثلثان، لأنها وصلت الثلث، وإن قطع لها أصبع فعشر، كذلك ثان وثالث، فإن قطع ثلاث من كف فثلاثون، فإن قطع من تلك اليد الأصبعان البقاقيان في مرة أو مرتين، ففي كل أصبع خمس، وإن قطع بعد الثلاثة من اليد الأخرى‏:‏ أصبع مرتين، ففي كل أصبع خمس، وإن قطع بعد الثلاثة من اليد الأخرى‏:‏أصبع أو أصبعان أو ثلاثة في مرة أو مرتين فثلاثون، لأنها يد أخرى بكم مبتدأ، أو أصبعان من كل يد في ضربة واحدة، فعشرون، ثم إن قطع لها من إحدى اليدين أصبع فعشر، وإن قطع من اليد الأخرى أصبع فعشر، ‏(‏وكذلك إن قطع لها الأصبعان من اليد معا فعشرون‏)‏ فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف، ففي كل أصبع خمس، خمس، افترق القطع أو معا، وإن قطع لها ثلاثة أصابع من يد، وأصبع من الأخرى في ضربة فخمس خمس، ثم إن قطع الأصبع أو الأصبعان من اليد المقطوعة منها الثلاثة رابع ومن اليد الأخرى أصبع أو أصبعان، ففي الرابع من إحدى اليدين خمسة أبعرة، وفي الأصبع أو الأصبعين من اليد الأخرى‏:‏ عشر، عشر، افترق القطع أو ضربة واحدة، ما لم يقطع لها في ضربة من اليدين أربع أصابع ورجلان فكاليدين في ذلك، قال ابن القاسم‏:‏ إن قطع أصبعان عمدا فاقتصت أو عفت، ثم قطع من الكف أصبعان خطأ‏:‏ ففيها عشرون، ولا يضم عمد إلى خطأ لتباينها،

وفي المنقلة، ثم المنقلة، ثم منقلة ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد، والمنقلة الثانية في موضع الأول بعد برئها، فكذلك، وكذلك المواضح، وإن أصابها في ضربة بمواضع أو مناقل تبلغ ثلث الدية، رجعت لعقلها‏.‏

وفي النكت‏:‏ إنما استويا في دون العقل لتسوية السنة في الجنين بين الذكر والأنثى، وهو دون الثلث، وفي النسائي‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث ديته‏)‏ وهو في الموطأ عن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين، قال ابن يونس‏:‏ لم يختلف أن دية نفسها كنصف دية نفسه، وأنها على النصف منه في الميراث والشهادة، واختلف قول ابن القاسم في الأسنان، فجعلها مرة كالأصابع يحاسب بما يقدم من ثلث الدية، ومرة لا يحاسب بما تقدم، قال أصبغ، والأول أحسن إلا أن يأتي على جميع ذلك ما لم يكن في ضربة واحدة، بخلاف الأصابع، وعن ابن القاسم‏:‏ الأسنان كمواضح أو مناقل لا يجمع منها إلا ما كان في ضربة واحدة ‏(‏بخلاف الأصابع‏)‏ ما لم يكن شيء له دية لا يحسب منه ما ذهب كالأرنبة، والسمع، والبصر، وأما المواضح والمناقل فلا، وخالف عبد العزيز فجعل الأصابع وإن كانت من كف واحد كالأسنان، والمواضح في كل أصبع عشر، وإن أتى على جميع الأصابع، ما لم يكن في ضربة واحدة، وقال ابن وهب، وعبد الملك، وعبد العزيز‏:‏ إن قطع لها أربع أصابع في ضربة واحدة، وأخذت عشرين، فإن قطعت الخامسة، فخمس فرائض، وقال عبد الملك‏:‏ عشر خلافا لقول مالك وأصحابه، قال اللخمي‏:‏ إن

قطع من اليدين أربعا معا فعشرون، ثم إن قطع منها أصبعا فعشر؛ لأن المقطوع حينئذ من كل ثلاث، فإن قطع بعد ذلك أصبعان، فخمس‏.‏ قاله ابن القاسم، وجعلها كمن أخذت من الأول عشرا، وقال ابن نافع‏:‏ كل ما أصيبت به من الأصابع منفردا فعشر، ولا تضاف مصيبة إلى مصيبة إلا أن يقطع معا ما يكون عقله ثلث دية الرجل فترجع لعقل نفسها، وإن أصيبت أصبعان بأمر سماوي ثم جني على الثلاثة الباقية أخذت عشرا عشرا، فإن اقتصت في الأول وفي الثاني خطأ فلا يضاف للعمد، ويراعى في المواضح والمنقلات وغيرها من الجراحات أن تكون في ضربة واحدة؛ فإن وصلت الثلث فعقلها ويستأنف الحكم في المعترف، ويضم السمع واليدان ونحوه الآخر للأول‏.‏

وفي المنتقى‏:‏ إن قطع منها أربع أصابع في ضربة واحدة، أو ما هو في حكمها من التتابع فعشرون، أو بأفعال مفترقة فثلاثون، ويضاف ما قطع بعد ذلك من تلك الكف إلى ما تقدم وفيها خمس؛ لأن الكف الواحد يضاف بعضها إلى بعض فيراعى اتحاد المحل والعمد والخطأ والفعل‏.‏ والفرق بين اليد والمنقلة‏:‏ أن المنقلة لا تؤثر في الثانية، وقطع الأصبع يشين اليد، والأسنان كالمنقلة‏.‏

وفي النوادر‏:‏ لا يحسب قطع كف مع أخرى إلا أن يقطع منهما معا وكذلك الرجلان، فلو قطع لها من كف ثلاثا ‏(‏ثم من الأخرى ثلاثا‏)‏ فعقل الرجل‏.‏ فإن قطع من هذه أنملة، ومن هذه نصف أنملة فهي في الأنملة على ديتها، وفي نصف الأنملة على دية الرجل كان نصف الأعلا والأنملة في ضربة واحدة أو ضربتين، من رجل أو رجلين؛ فإن مات ما بقي من الأنملة فهي كأنملة، وكذلك فيما بقي من كل كف، وإن أصيبت في ضربة بأصبعين من كل

يد، لم يختلف في هذا أن لها عقل نفسها، أو ضربت ويدها على رأسها فقطعت لها أصبعين، وشجها منقلة أو مأمومة فعقل نفسها في ذلك كله، وإن ذهب بضربة واحدة من كل كف أصبعين ثم أزيل بضربة ثلاثة أصابع‏:‏ أصبعين من هذه، وأصبع من هذه، ففي الأصبعين مثل عقلها، وفي الأصبع عقل الرجل، قاله مالك، وابن القاسم، وأشهب‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ يعتبر اتحاد الفعل كضربة أو ضربات في معنى الضربة الواحدة من رجل أو جماعة، وإن تعدد الكف، وكذلك لو اتحد المحل كالكف الواحدة، وإن تعددت الضربات وتباينت‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا ابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏ و‏(‏ش‏)‏‏:‏ لعامله النصف‏.‏ لنا‏:‏ الحديث المتقدم، قال مالك‏:‏ وقال ربيعة‏:‏ قلت لسعيد بن المسيب‏:‏ كم في أصبع المرأة‏؟‏ قال‏:‏ عشر، قلت‏:‏ ففي أصبعين‏؟‏ قال‏:‏ عشرون، قلت‏:‏ ففي ثلاث أصابع، قال‏:‏ ثلاثون، قلت‏:‏ ففي أربع‏؟‏ قال عشرون، قال‏:‏ قلت‏:‏ لما عظمت مصيبتها قل عقلها‏؟‏ قال سعيد‏:‏ عراقي أنت‏؟‏ فقلت‏:‏ بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم، فقال سعيد‏:‏ هي السنة يا ابن أخي، وهذا يدل على أنه أمر مشهور عندهم من السنة النبوية، ويخرج من الثلث؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله غاية، والغاية تخرج من المغيى‏.‏ احتجوا بأنها جناية فتكون على النصف كالنفس مع النفس؛ ولأنه نقص الشهادة فنصف الدية‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه قياس قبالة النص فيكون باطلا، سلمناه‏:‏ لكن الفرق بأن النفس أعظم حرمة يزيد فيها‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الأصل قبول المرأة الواحدة وصف العدالة، وإنما

أضاف الله تعالى امرأة أخرى للتذكير خشية النسيان؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى‏)‏‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ الثلث في حيز الكثرة في ثلاث مسائل كلها جوائح‏:‏ المعاقلة، وما تحمله العاقلة، وجائحة الثمار‏.‏ وفي حيز القلة في تسع مسائل‏:‏ الوصية، وهبة المرأة ذات الزوج، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت، وكذلك الثمار، والكباش، والسيف ثلث وزنه حلية تباع بذلك الجنس، قال العبدي‏:‏ هو قليل في الطعام إذا استحق منه أو نقص في الشراء فهو قليل عند أشهب، وفي الأرطال يستثنيها من الشاة والدالية في دار الكراء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجتهد في لسان الأخرس والرجل العرجاء وكل شيء أصيب فانتقص ثم أصيب فإنما له بحساب ما بقي، وماخلقه الله تعالى لم ينتقص منه شيء كاسترخاء البصر والعين الرمدة يضعف، أو يد تضعف إلا أنه ينظر وينتفع بيده فالدية كاملة، وكذلك المصاب بأمر سماوي، وفي ضعف الجناية؛ له ما بقي؛ لأنه أخذ بدل نقصها بخلاف الضعف، وعن مالك‏:‏ إن أصابها رجل فنقص بصرها، واليد، ولم يأخذ لها عقلا‏:‏ ففي الإصابة بعد ذلك الدية كاملة، قال ابن يونس‏:‏ هذا يقتضي اختلاف قوله في المحاسبة بما تقدم إذا لم يأخذ له عقلا، أما إن أخذ فالإتفاق في المدونة، والخلاف عن مالك في غيرها إذا أخذ عقلا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن ذهب سمع إحدى أذنيه فضربه رجل فأذهب سمع الأخرى

فعليه نصف الدية، ‏(‏وفي عين الأعور الدية كاملة‏)‏ لما جاء فيها من السنة، ووافقنا أحمد، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ نصف الدية‏.‏ لنا‏:‏ أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر رضي الله عنهم قضوا بذلك من غير مخالف، فكان إجماعا؛ ولأن العين الذاهبة يرجع ضوؤها للباقية فهي في معنى العينين‏.‏ احتجوا‏:‏ بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في العين خمسون من الإبل‏)‏، وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏في العينين الدية‏)‏ يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع العينين، وهذا لم يقلع عينين، ولأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره، ضمن بنصفها منفردا، كالأذن، واليد؛ ولأنه لو صح القول بانتقال الزوج الضامن لم يجب على الأول نصف الدية؛ لأنه لم يذهب نصف المنفعة‏.‏

والجواب عن الأول والثاني‏:‏ أنه محمول على العين غير العوراء؛ لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرنا من الأدلة‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق بانتقال قوة الأول بخلاف الأذن، ولو انتقل التزمناه‏.‏

وعن الرابع‏:‏ لا يلزم اطراح الأول، لأنه لو جني عليهما فأحولتا، أو أعمشا أو نقص ضوأهما، فإنه يجب عليه العقل لما نقص، ولا تنقص الدية على ما جنى ثانيا على قول غيرنا، وهذا السؤال قوي، وكذلك يلزمنا أن نقلع بعينه عينين اثنتين من الجاني‏.‏ وفي النوادر‏:‏ فيها ألف وإن أخذ في الأول ديتها قاله مالك وأصحابه‏.‏ قال أشهب‏:‏ ويسأل عن السمع، فإن كان ينتقل فكالعين وإلا

فكاليد، وإن أصيب من كل عين نصف بصرها، ثم أصيب باقيها في ضربة فنصف الدية؛ لأنه ينظر بهما نصف نظرهما، فإن أصيب بباقي أحدهما، ثم أصيب بنصف الصحيحة، فثلث الدية؛ لأنه أذهب من جميع بصره ثلثه، وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية، فإن ذهب باقيها والصحيحة بصيرة فالدية كاملة، أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية؛ لأنها ثلثا بصره، فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية، بخلاف لو أصيب والصحيحة باقية،‏.‏ قاله أشهب‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قطع كفه خطأ فشل الساعد‏:‏ فدية واحدة؛ لأنها ضربة واحدة‏.‏

قاعدة‏:‏ كما شرع الله تعالى الزواجر بالجوابر، فالجوابر‏:‏ لتحصيل المصالح، والزواجر‏:‏ لدفع المفاسد، والمقصود من الجوابر إخلاف ما فات من مصالح حقوق الله تعالى وحقوق عباده، ولا يشترط ‏(‏وجود الأول، ولذلك يجبر الخطأ، والعمد، والمجهول والمعلوم، والذكر والنسيان، وعلى المجانين‏)‏ والصبيان، بخلاف الزواجر؛ فإن معظمها على العصاة زواجر عن المعصية، وقد تكون على غيرهم دفعا للمفاسد من غير إثم؛ كرياضة البهائم وتأديب الصبيان استصلاحا لهم، واختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر، لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها، أو جوابر لأنها عبادات لا تصح إلا النيات‏؟‏

وليس التقرب إلى الله تعالى عقوبة وزجرا، بخلاف الحدود والتعزيرات؛ لأنها ليست قربات لأنها ليست فعل المزجور، بل فعل ولاة الأمور، والجوابر تقع في العبادات، والأموال، والنفوس والأعضاء، ومنافع الأعضاء والجراح‏.‏ والزواجر‏:‏ ففي العبادات، كالوضوء مع التيمم، والسهو مع السجود، والصلاة لجهة السفر وجهة العدو مع الخوف بدلا عن الكعبة، وصلاة الجماعة فيمن صلى مفردا، وجبر ما بين الشيئين بالدراهم في الزكاة، أو الذكورة في ابن لبون مع بنت مخاض، وهو مباين لقاعدة الجوابر لتباين النوعين جدا، والصيام بالإطعام في حق من لم يصم أواخر القضاء، ومناهي النسك بالدم والصيام، وجبر الصيد المأكول في الحرام أو الإحرام بالمثل أو الطعام، أو الصيام، أو الصيد، والمملوك لله تعالى بما تقدم ومالكه لقيمته وهو مجبور، وآخر اجتمع عليه جابران وشجر الحرم يجبر، ثم اعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل، والأموال لا تجبر إلا بالمال، والنسكان تارة بعمل كالعمرة أو الصوم، وتارة بالمال كالهدي، وجزاء الصيد، والطعام، والصيام، والصوم يجبر بمثله في القضاء وبالمال كالإطعام‏.‏

وأما جوابر المال‏:‏ فالأصل رد الحقوق بأعيانها، فإن ردها ناقصة الأوصاف

جُبرت بالمال، أو لم يردها جبرنا المثلى؛ لأنه أقرب للعين من القيمة، وفي غير المثلى بالقيمة؛ لأنها تحصيل المثل، وتجبر الناقص بأجرة المثل، وخرج عن جبر المثلى صورتان‏:‏ المصراة، وغاصب المال في موضع غلائه، والمنافع المحرمة لا تضمن احتقارا لها كالزمر ونحوه، وكذلك الأعيان النجسة، وتجبر المنفعة المحرمة في المزني بها كرها بصداق المثل دون اللواط؛ لأنه لم يتقدم قط فأشبه القتل والعتاق، والمنافع في الجماد تضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت أيدي الغصاب، ومنافع الحد تضمن بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه دون الفوات تحت الأيدي العادية، والفرق‏:‏ ‏(‏أن قليل سائر المنافع يجبر قليلها بالقليل وكثيرها بالكثير، وضمان الأبضاع‏)‏ بمهور الأمثال وهي بأيسر المنافع من التقاء الختانين، فلو ضرب للزمت أموال لا يقدر عليها، وهو بعيد من مقاصد الشرع، وأما النفوس فخارجة عن قاعدة جبر الأموال، والمنافع، والأوصاف، إذ لا يجبر بأمثالها وتساوت جوابرها مع اختلاف‏.‏ قال سحنون‏:‏ إنها في الفضائل والرذائل ‏(‏وإنما يختلف باختلاف الأديان والذكورة والأنوثة، ولا عبرة في الأموال بالأديان‏)‏ فيجبر العبد المجوسي بالآلاف، والعبد المسلم باليسير؛ لأن المجبور هو المالية دون الدين، وسواء في الجرح المقدرة بين صغيرها وكبيرها، وأوسعها وأضيقها، وغير المقدر على قياس الإتلاف في الحكومات، ودية الأعضاء على خلاف القاعدة، وإذا وجب في الإنسان ديات ثم مات فدية واحدة، ولو وجب في الحيوان ضمان في أعضائه ثم مات لم يتداخل؛

لأن الغالب من جنايات الأناسي البعيد الذي لا يتوقف على حقيقته، الحكومات وإن كانت قياسا فهي على خلاف القياس من جهة نسبتها للدية، وسوي بين الإبهام والخنصر مع التفاوت في اليد والرجل، وكذلك أصابع اليدين والرجلين، وأعظم من ذلك إبهام اليد اليمنى وسبابتها مع خنصر الرجل اليسرى وبنصرها‏.‏

وأما الزواجر‏:‏ فتارة تجب على فاعل المفسدة كمفسد الصوم، والحج، والظهار، وتارة على غير الفاعل، وهي ثلاثة‏:‏ قسمان على الأئمة، كالحدود والتعذيرات، وقسم يخير مستوفيه بين العفو والاستيفاء كالقصاص، وقد يكون الزجر عن غير المحرم فمن طلق امرأته ثلاثا في ثلاث مرات فيزجر بنكاية التحليل؛ لأنه مراغم للمروءة والأنفة، وقتال البُغاة والصبيان على ترك الصلاة وغيرها‏.‏

الركن الثالث، في بيان شروط حمل العاقلة للدية، وهي خمسة شروط‏:‏

الشرط الأول‏:‏ أن يكون المحمول الثلث فأكثر، وقاله أحمد، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ تَحمل القليل والكثير، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تحمل السن والموضحة وما فوقها؛ لأن الأصل‏:‏ براءةُ الذمة إلا ما أجمعنا عليه، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ وعنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تَحْمِلُ العاقلَةُ‏:‏ عَمدًا، ولا عبدا ولا اعترافًا، ولا صُلحًا، ولا ما دون المُوضِحَة‏)‏ وعنه أنه عليه السلام‏:‏ عَاقلَ بين قريش والأنصار، فجعل على العاقلة ثلثَ الدية، وعنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏تَحمِلُ العاقلةُ الثلثَ فَصاعِدًا‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ليس

ببدل عن النفس ولا عضو ديَّتُه كالنفس، فلا تحمله كالأموال، ولأن الأصل‏:‏ اختصاص الجاني بالغُرم ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ العمد، فإذا أسقط الشرعُ عن الجاني الغرم لعذر الخطأ، فغيره أولى بالإسقاط، ولأنه إنما جعلت على العاقلة لئلا يستوعب الجاني، وقد يعجز عنه فتضيع الجناية، فجعل على العاقلة الذي يتوقع فيه ذلك، فبقي ما عداه على الأصل، ولأن الحمل مُواساة على قاعدة مكارم الأخلاق، ولا ضرورة للمواساة في القليل‏.‏ احتجوا‏:‏ بما في الصحيح‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل غُرةَ الجَنينِ على العاقِلة‏.‏ واحتج ‏(‏ح‏)‏ بما ثبت في الجنين وهو نصف عشر، فوجب أن يكون أصلًا ولا يقاس عليه؛ لأن الحمل خلاف الأصول، والقياسُ على خلاف الأصول غير مشروع على الخلاف، كما لا تُقاس العِمامة على الخُف، ولا يسير الدم على الطحال والجراد، ولأنه جناية على جزء خطأ، فتحمل قياسا على الثلث، وقياسا على الأموال‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن غرة الجنين دية كاملة لنفس فأشبهت مائة من الإبل‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق بكثرة الثلث لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ‏)‏ في الوصية‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الأموال تَندرُ الكثرةُ فيها، فلِذلك سَوَّى الشرع بين قليلها وكثيرها، والغالب في الدماء الكثرة لخطرها فلذلك حقق الشرع فيها، ثم القياس منعكس عليكم فنقول‏:‏ فلا تحمل العاقلة القليل كالأموال‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن تكون عن دم حر، احترازا من قيمة العبد لا تحملها العاقلة، وقاله أحمد، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تحمله، وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ القولان، وأصل المسألة‏:‏ أن القيمة هل هي بدل عن مالية العبد أو عن نفسه‏؟‏ لنا‏:‏ الحديث المتقدم رواه ابن عباس موقوفا عليه، ولم يعرف له مخالف، فكان إجماعا

والأحُول الباقية لشغل الذمة مع النصوص في ذلك، وقياسا على أطرافه، ووافق ‏(‏ح‏)‏ فيها؛ لأن الطرف والنفس في غير صورة النزاع فيستويان في الآدمي الحر والحيوان البهيم في الحمل‏.‏ والثاني في عدم الحمل‏.‏ احتجوا‏:‏ بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الديَّةُ على العَاقِلَة‏)‏ وهو عام في الحر والعبد، وقياسا على الحر بجامع النفس أو بجامع اللفظ والمواساة‏.‏

والجوابُ عن الأول‏:‏ الدية ظاهرة في الحر فلا تحمل على غيره، سلمنا عدم الظهور لكن حديث ابن عباس يخصصه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق بتغليب شائبة المالية في العبد، ولذلك اختلفت القيمة فيه كالمال‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق بأن قيمة العبد غالِبًا لا تعظم بخلاف الحر‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ أن يكون عن خطأ فلا تحمل العمد، وقاله الأئمة للحديث المتقدم‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ أن يثبت بغير اعتراف، ومنه الصلح، وقاله الأئمة‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ لا تكون عن قتل الإنسان لنفسه؛ لأنها وجبت عليهم تخفيفا عنه فيما لم يقصده، وهذا قاصد‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ أقل من الثلث في مال الجاني، وإن جَنَى مسلم على مجوسية ما يبلغ ثلث ديتها أو ثلث ديته حملته العاقلة، أو على مسلمة ما يبلغ ثلث ديتها حملته عاقلتها، والأصل‏:‏ أن الجناية متى بلغت ثلث دية الجاني أو المجني عليه حملته عواقلهم‏.‏ قال اللخمي عن مالك‏:‏ المراعى ثلث دية المجني عليه خاصة‏.‏ وعن عبد الملك‏:‏ دية الرجل كان الجاني أو المجني عليه، وقيل‏:‏ لا

تحمل العاقلة أصبعي المرأة؛ لأنها لم تأخذ ذلك على عقل نفسها بل على مساواة الرجل، لأنها تأخذ عشرين، ولذلك إن قلع لها أربعة أسنان يجري فيه الخلاف، وإن قطعت امرأة أصبعي امرأة أو أربعة أسنان جرت على الخلاف؛ لأنها إنما تأخذ على عقل الرجل، قال‏:‏ ومراعاة دية المجني عليه أحسن؛ لأن الأصل‏:‏ حمل العاقلة الدية كاملة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ من جنى من أهل الإبل ما لا تحمله العاقلة ففي ماله من الإبل؛ فإن قطع أصبعا فابنا مخاض، وابنا لبون، وحقتان، وجذعتان، وكذلك إن جنى ما هو أقل من بعير، وإن جرح المسلم كافرا أو قطع يده، أو رجله، أو قتله عمدا، ففي ماله، ولا تحمل العاقلة من عمد المسلم في جنايته على الذمي المأمومة والجائفة، وإنما استحسن مالك حمل المأمومة والجائفة، ولم يكن عنده بالبين، ولا تحمل العاقلة العمد مطلقا‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ كل جرح يتعذر القود فيه لخطره، وهو موجود في الجاني حملته العاقلة إن بلغ الثلث، وخالفنا الأئمة‏.‏ لنا‏:‏ أنه لما تعذر القصاص أشبه الخطأ، وعن مالك في عمد الجائفة، والمنقلة، والمأمومة قولان‏:‏ يبدأ بمال الجاني، والباقي على العاقلة، ورجع إلى أن الجميع على العاقلة، وعليه أصحابه، وتحمل جناية الصبي والصبية والمجنون في حال جنونه، والمعتوه في العمد؛ لأنه كالخطأ إن بلغ الثلث، وإن جنُ، القاتل انتُظر إن أفاق قُتل وإن إيس منه فالدية في ماله، والنائم كالمخطئ، وقال أشهب‏:‏ لا يحمل ما جناه العبيد على الحر أو على العبد، ولا حر على عبد، وإنما

تحمل جناية الحر على الحر، ولا تحمل عاقلة المسلم جنايته على يهودي أو نصراني أو مجوسي وإن بلغ النفس، لأنهم كالعبيد، إلا أن السنة مضت بدياتهم، قاله ابن القاسم‏.‏ وعنه‏:‏ تحمل إذا بلغ الثلث دية المجني عليه، وإن رمى رجل بحجر فأصاب جماعة مواضح، أو ملطاة، أو شجاجا، وجميعها يبلغ الثلث، حملته لاتحاد الضربة، وكذلك لو فعل برجل ذلك، قاله مالك، أو ضربه فأذهب كل واحدة بما يليق بها، وإن قتل عشرة رجلا فعلى عاقلة كل واحد عُشر الدية في ثلاث سنين؛ لأن الواجب في الأصل دية، وإن جنوا قدر ثلث الدية حملته عواقلهم، وعن مالك‏:‏ إن أقر بالقتل ولم يتهم على ولده، وهو ثقة لا يتهم، فالدية على العاقلة بقسامة في ثلاث سنين‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ فإن لم يقسموا فلا شيء في مال المقر، وقال عبد الملك‏:‏ الإقرار في ماله، ولا تحمل العاقلة خطأ اعترافا، والاعتراف بالجراح الخطأ لا تحملها؛ لعدم القسامة فيها، فيتخلص أن المشهور‏:‏ حمل الاعتراف عند عدم التهمة، وإن العمد يحمل في ثلاث صور‏:‏ الصبي ومن معه، والجائفة وما معها، وما لا يقاد منه، وله نظير يوجد في الجاني‏.‏

الركن الرابع‏:‏ في صفة من يحملها‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ في الركن بحثان‏:‏ من يحمل، وصفته‏.‏

البحث الأول، من يحمل، وهو ثلاثة‏:‏ الأول‏:‏ العصبة والولاء وبيت المال دون الموالاة والمخالف، أما العصبة‏:‏ فكل عصبة يدخل فيها الأب والابن، وفي دخول الجاني روايتان، ويلحق بالقرابة الديوان لعلة التناصر، فإن كان المعا من أهل ديوان

مع غير قومه، حملوا عنه دون قومه؛ لأنهم ناصروه رحل عنهم، وإن احتاج أهل ديوان إلى معونة قومهم لقلتهم أو لانقطاع ديوانهم أعانوهم، وقال أشهب‏:‏ إنما يحمل عنه أهل الديوان إذا كان العطاء قائما، وغلا وإلا فقومه، والجهة الثانية‏:‏ الولاء إذا عدمت العصبة، فعلى معتق الجاني، وهو المعتق الأعلى، وفي الأسفل قولان‏.‏ الثالث‏:‏ بيت المال عند عدم العصبة والولاء يأخذ من بيت المال إن كان الجاني مسلما، وإن كان ذميا رجعنا على الذين يؤدون معه الجزية، أهل إقليمه الذين يجمعه وإياهم أداء الجزية، فإذا لم يستقلوا ضم إليهم أقرب القرى منهم‏.‏

البحث الثاني، في صفاتهم، وهي‏:‏ التكليف، والذكورة، والموافقة في الدين والدار، فلا يضرب على عبد، ولا صبي، ولا امرأة، ولا مخالف في الدين، ولا فقير وإن كان يعمل، ولا حد لغناهم في الحمل ولا بما يؤخذ، وقيل‏:‏ يؤخذ من كل مائة درهم ونصف، وكذلك كان يؤخذ من أعطيات الناس‏.‏

تفريع على البحثين‏.‏ في الكتاب‏:‏ إن قتل ذمي مسلما خطأ حملته عاقلته، وإن أصاب أهل الذمة بعضهم بعضها حمل ذلك عواقلهم، وإنما العقل في القبائل كانوا أهل ديوان أم لا، ومصر والشام أجناد كل جند عليهم جرايرُهم، فلا يعقل أهل مصرَ مع الشام، ولا الشام مع مصر، ولا الحضر مع البدو، ولا البدو مع الحضر لعدم التناصر، ولا يكون في دية واحدة؛ إبل وذهب، أو ذهب ودراهم، وإن انقطع بدوي فسكن الحضر عقل معهم كالشامي يستوطن مصر، ثم إن جنى وقومه بالشام، وليس بمصر من قومه من يحمل لقلتهم، ضم إليه أقرب القبائل بها إلى قومه وإن لم يكن بمصر أحد حتى يقود، إذ لا يعقل أهل الشام مع مصر، ويحمل الغني بقدره ‏(‏ومن دون بقدره‏)‏ على قدر يسرهم‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ إذا لم يكن فمن

قومه من يحمل لقلتهم، ضم إليهم أقرب القبائل‏.‏ يريد في النسب لا في الجوار، قال ابن يونس‏:‏ حمل العاقلة الدية كان في الجاهلية أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من مكارم الأخلاق، ولا عقل على مديان لأنه كالفقير، وكره مالك أن يبعث السلطان في الدية من يأخذها من العاقلة فيدخل فيها فساد كبير‏.‏ وقال سحنون‏:‏ ويضم أهل إفريقية بعضهم لبعض من طرابلس إلى طبنة في العقل، وتعتبر صفات العاقلة وشروط حملها يوم يقسم عليهم الدية؛ لأنه يوم الطلب لا يوم مات المقتول ولا يوم جرح، ولا يوم ثبت الدم، ولا يزول عمن مات بعد ذلك أو أعدم؛ لأنه حكم لا ينقض ولا يدخل من بلغ بعد ذلك من الصبيان، أو غائب قدم، أو منقطع الغيبة، ولا يزاد على من أيسر‏.‏ قال سحنون‏:‏ ومن استحق بملك رجع ما عليه على بقية العاقلة لتبين الغلط في الحكم، ولا يزاد في التوظيف على بني عمه ديته، وهم وغيرهم سواء‏.‏ قال أصبغ‏:‏ ولا يدخل مع العاقلة صبي ولا مجنون، ويدخل السفيه البالغ فيؤخذ من ماله كما يوضع عليه الجزية‏.‏

قال اللخمي‏:‏ يختلف في أربعة مواضع‏:‏ هل يعقل أهل الديوان دون القاتل‏؟‏ وهل يراعى الكورة أو يكفي المِصر الكبير‏؟‏ وفي اجتماع البدو مع الحضر، ومن لا عاقلة له هل تسقط جنايته، أو في ماله، أو في بيت المال‏؟‏ ومراد ابن القاسم بمصر من أسوان إلى الإسكندرية، ومصر اسم الجميع، وهي الكورة‏.‏ وعن أشهب‏:‏ يقتصر على الفسطاط دون بقية الكورة، وإن لم يكن في قتيل محمل ضمُ إليه أقرب القبائل من الفساط خاصة‏.‏ وعن أشهب‏:‏ إذا اجتمعت البادية والقُرى في حمل واحد أخرج كل ما يلزمه إبلا أو غيره، وإن كان القاتل من غيرهم، وتؤخذ الإبل بقيمتها‏.‏ وفي النوادر‏:‏ من ظعن فرارا من الدية لحقه حكمها حيث كان، بخلاف الغائب لغير

ذلك، والغُرماء مقدمون على طالب الدية؛ لأنها مواساة، ومن مات فما وظف عليه في ماله كالدين، وعن سحنون‏:‏ يحاصص بها؛ لأنها دين، وعن ابن القاسم‏:‏ من مات لا شيء في ماله، ولا على وارثه، ويرجع على بقية العاقلة‏.‏ وأنكره سحنون‏.‏ ومن أسلم من البربر ولم يسبوا فإنهم يتعاقلون كالعرب، ومن سبي وعتق فعقله على مواليه، ومتى اجتمع في العاقلة أهل إبل وأهل ذهب‏:‏ قال أشهب يتبع الأقل الأكثر، فإن استويا حمل كل فريق من هم أهله، وقاله مالك؛ وهو خلاف لابن القاسم‏:‏ وإذا جنى بمصر ولم يقم عليه حتى أوطن العراق، فجنايته على مصر، وإذا جنى الساكن بمصر، وليس بها من قومه أحد، حمل جنايته أقرب القبائل إليه ممن بمصر، ولا يعقل عن المرأة أبوها ولا زوجها ولا إخوتُها لأمها إن لم يكونوا من قبيلتها؛ لأنهم ليسوا عصبة، وإذا قدم حربي بِأَمَان فَقَتل مسلما خطأ‏.‏ قال مالك‏:‏ يُحبس ويرسل إلى أهل موضعه وكورته إلى قومه منها يخبرونهم ما يلزمهم في حكمنا، فإن ودوا عنه لم يلزمه إلا ما كان يؤديه معهم، وعنه‏:‏ إن الدية في ماله وليس على بلده منها شيء، وقال ابن القاسم‏:‏ ديته على أهل دينه الحربيين، وأهل الصلح يتعاقلون، وإن اختلفت قبائلهم‏.‏ قال الغيرة‏:‏ إن كانوا أهل جزية، ولهم معقلة يتعاقلون عليها، ويحملها بعض عن بعض دون بعض حملتهم عليها، وإلا ففي مال الجاني‏.‏ قال سحنون‏:‏ إذا لزمت دية القيروان دخل فيها من بإفريقية من اليهود الذين يحملون معه الخراج، وإن لم يقدروا أسلفهم الإمام من بيت المال، ولا يشق عليهم‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إن حملت العاقلة شيئا نظر أنه هل يلزمهما، ثم تبين أنه لا يلزمها،

فلهم الرجوع ما لم يطل الأمر بعد الدفع سنين كثيرة التي يرى فيها أنهم علموا ذلك فيها وانقرضوا عنه‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا ‏(‏ح‏)‏ في دخول الجاني، ومنعه ‏(‏ش‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ ما روي أن نعيم بن أبي مسلمة رأى رجلا يرمي الكفار فطعنه فقتله، فتبين أنه مسلم فقضى عمر رضي الله عنه بديته عليه وعلى عاقلته؛ ولأن الأصل أنه يحمل وحده؛ لأنه الجاني، ولأن التحمل للنصرة والمواساة، وهو أحق بنصرة نفسه ومواساتها‏.‏ احتجوا‏:‏ بأنه عليه السلام قضى بالدية على العاقلة، والدية اسم للجميع؛ ولأن كل غُرم وجب بالقتل استوى قليله وكثيره في التحمل طردا وعكسا، لأن دية العمد لا تحمل العاقلة قليلها ولا كثيرها، فدية الخطأ وجب أن تحملها كلها كالجاني في العمد؛ ولأن القتل تارة يمنع العتم كالعمد في الميراث، وتارة يمنع الغرم كدية الخطأ، والأول يمنع مطلقا، فالثاني كذلك، والقياس على القاضي إذا قتل بالحكم خطأ، وكوكيل الإمام إذا قتل خطأ‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ القول بالموجب؛ لأنه من جُملة العاقلة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق أن العمد صادف الأصل ‏(‏وهو أن الجاني غرم، والخطأ خالف الأصل‏)‏‏:‏ غرم غير الجاني فلا يخرج الجاني منه تعليلا بمخالفة الأصل‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن منع الغرم تخفيف ورحمة من الله تعالى، فناسب أن يوزع على الجميع، والعتم عقوبة له بنقيض قصده، فتوزيع الميراث متعذر، وتوزيع الدية غير متعذر‏.‏

وعن الرابع‏:‏ الفرق أن ولاة الأمور لو غرموا مع تصديهم للأحكام لأدى

ذلك لزهادة في الولايات فتتعطل المصالح، بخلاف الجاني، كذلك وكيل الإمام واتفق العلماء أن إخوة الأم وسائر ذوي الأرحام والزوج، وكل من عدا العصبة ليسوا من العاقلة، ولا الأم، ولا آباؤها، ولا أجدادها؛ إلا أن يكون عصبة للقاتل، وإن كان القاتل امرأة فإن كان بنوها وبنوا بنيها وإن سفلوا بني عمها؛ لأن زوجها من بني عمها، فعاقلتها وإلا فلا‏.‏ وقيل‏:‏ عاقلتها، وافقنا ‏(‏ح‏)‏ على أن الآباء والأبناء والحفدة يتحملون كغيرهم، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يتحمل هؤلاء شيئا بل العصبات الذين هم جوانب النسب، كالإخوة، وبني الإخوة، والأعمام، وبنيهم، وعن أحمد‏:‏ القولان‏.‏ لنا‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على عصبة العاقلة وزوجها وبنيها، والقياس على الأخ بطريق الأقل؛ لأن الأب والابن أعظم نصرة وأبلغ ميراثا فيجب كالأخ، وكيف يكون العم أكثر تعصيبا من الأب والابن، بل المرتب على النسب إما أن يختص بالأب والجد كولاية المال والبضع والعتق بالملك والنفقة، أو يثبت الجميع كولاية النكاح، وصلاة الجنازة، أما لغير الأصول والفصول والرحم فلم يقع في الشرع‏.‏ احتجوا‏:‏ بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته‏:‏ ‏(‏لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه، ولا ابن بجريرة أبيه‏)‏ ولأنه نسب يوجب التوارث من غير حجب إسقاط، فلا يحمل كالزوجة، وبالقياس على ابن المرأة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المراد بالحديث‏:‏ ما كانت الجاهلية تفعله، يأخذون الأب بالابن، والابن بالأب‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق عدم التناصر والعصوبة من جهة الزوجة بخلاف الابن والأب‏.‏

وعن الثالث‏:‏ بمنعه على أحد القولين ونسلمه، ويفرق بأنكم ليس من عصبتها، فإنه عندهم لا يلي تزويجها، ثم الرضاع حجة عليكم استوى فيه الجميع، وكذلك تحريم المصاهرة، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ على أن الديوان يعقل، مع أن صاحب الزاهي حكى فيه قولين، وقال أشهب‏:‏ إنما يعقل الديوان إذا كان العطاء وإلا فقومه، وقال ‏(‏ش‏)‏ وأحمد‏:‏ لا يعقل الديوان‏.‏ لنا‏:‏ أن عمر رضي الله عنه أول من دون الدواوين، وجعل أهل كل ديوان يحملون جناية من معهم في الديوان، ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعا‏.‏ ونكتة المسألة‏:‏ أن التعاقل مبني على التناصر، ولذلك اختص العاقلة العصبة، وسقطت عن النساء والصبيان والمجانين؛ لعدم النصرة، مع وجود القرابة فيهم فقد دار العقل مع النصرة وجودا وعدما، وأهل ديوانه ينصرونه أشد من العصبة، والديوان أخص من النسب؛ لأنه يجمع أهله في موضع واحد، وعطاء واحد، وتكون مودتهم منسجمة‏.‏ وحميتهم لبعضهم متوفرة‏.‏ احتجوا‏:‏ بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة‏.‏ وإذا استقر حكمٌ في زمانه عليه السلام لا يبطل بعده؛ لتعذر النسخ، ولأنه حكم يتعلق بالعصبة عند عدم الديوان، فيتعلق عند وجوده كالميراث، ولأنه حكم لا يثبت إلا بين المتواليين في الدين، فلا يثبت بالديوان كولاية النكاح؛ ولأن مطلق التناصر لا يكفي؛ لأن أهل السكة الواحدة، والبلدة الواحدة في أرض الغربة ينصر بعضهم بعضا والصدقاء والشركاء‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن تجدد الأحكام لتعدد عللها في المحال بعده عليه السلام ليس نسخا، وإنما النسخ تجديد حكم مطلقا لا ترتبه على علة لم تكن

موجودة في زمانه عليه السلام، وهو مبتكر رتبنا عيه التحريم ولم يكن نسخا، وكذلك لو أحدثوا آلة مطربة أو نوعا من الكفر لم يعلم أنكرنا وقاتلنا، وليس نسخا‏.‏

وعن الثاني‏:‏ لا يستقيم ترتيبه على الميراث بدليل النسوان والصبيان، بل على النصرة وهي مشتركة بل أقوى كما تقدم‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن ولاية النكاح أعظم رتبة لدرء العار عن المولية، ولذلك قدم الأقرب فالأقرب، ولا يلزم ذلك في العاقلة اتفاقا‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن أهل المحلة بينهم العداوة، ثم إن تلك الأسباب ليس التناصر لازما لها؛ قد يقع وقد لا يقع، وأما الديوان فمعد للنصرة والقتال عن بعضهم‏.‏

فائدة‏:‏ الديوان قيل‏:‏ إن كسرى أنو شروان اطلع على أهل حسابه فقال‏:‏ هؤلاء ديواناه، بالهاء، ثم إلها لطول الاستعمال، ومعناه بالفارسية‏:‏ مجانين، وقيل‏:‏ شياطين‏.‏ والعقل‏:‏ قيل‏:‏ لأن العاقلة تعقل لسان الطالب، وقيل‏:‏ تعقل بسبب الغرامة؛ الجناية عن الجناة، وقيل‏:‏ لأن غالبه وأصله‏:‏ الإبل، وهي يؤتى بها معقولة، فهذه ثلاثة معان، وأصله‏:‏ المنع، ومنه العقل؛ لأنه يمنع العاقل من الوقوع في الرذائل‏.‏

الركن الخامس، في صفة التوزيع، وفيه‏:‏ نظران‏:‏

النظر الأول‏:‏ في كيفية الترتب عليهم

وفي الجواهر‏:‏ يبدأ بأقرب العصبة، ويضرب على كل أحد ما يحتمله حاله، لا يضربه، فإن فضل عن الأقربين شيء ترتب إلى الأبعد منهم الأولى فالأولى؛ يبدأ بالفخذ، ثم البطن، ثم العمارة، ثم الفصيلة، ثم القبيلة، فإن لم يستقلوا استعانوا بأقرب القبائل إليهم، وقد تقدم في كتاب الوقف تفسير هذه الألفاظ،

وفي الكتاب‏:‏ يحمل الغنى بقدره، ومن دونه بقدره على قدر طاقتهم في اليسر، وكان يؤخذ من أعطيات الناس من كل مائة درهم درهم ونصف، وإن جنوا الثلث حملته عواقلهم في سنة، وإن جرحه جرحين خطأ، وجرحه الآخر جرحا خطأ فمات فأقسمت الورثة، فالدية على عاقلتها نصفين، لا الثلث والثلثين، فإنه لا يدري من أيهما مات‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في التأجيل

في الكتاب‏:‏ يوزع في ثلاث سنين، كانت إبلا، أو ذهبا، أو ورقا في كل سنة ثلث، وإن كانت أقل من الثلث بقي مال الجاني حالا، وثلث الدية في سنتين، وقال مالك مرة نصفها في سنتين، وعنه‏:‏ يجتهد فيه الإمام في سنة ونصف، وسنتين‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ في سنتين أحب إلي، لما جاء أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع، وثلاثة أرباعها في ثلاث سنين، وخمسة أسداسها يجتهد الإمام في السدس الباقي، ودية المسلمين والذمة والمجوس رجالهم ونسائهم تحملها العاقلة في ثلاث سنين وإن صولحت العاقلة بأكثر من الدية جاز إن عجل وإلا امتنع؛ لأنه دين بدين، ويجوز الصلح في العمد بمال مؤجل؛ لأنه دم لا مال، وإن صالح الجاني على العاقلة، رد صُلحه؛ لأن الحكم في ذلك لهم، وفي النكت‏:‏ قوله‏:‏ يجتهد في السدس الباقي، يعني على حساب أربع سنين أو ثلاث، ويلزمه في ثلاثة الأرباع‏:‏ أن الثلثين في سنتين، ويجتهد في الزائد بأن يجعل على حساب ثلاث أو أربع، وإنما جوابه في الثلاثة أرباع على أحد القولين‏:‏

قال اللخمي‏:‏ على القول بجبر قاتل العمد على الدية، هي حالة في ماله، وكذلك التراضي عليها إلا أن يشترط الأجل، وفي الموازية‏:‏ هي كدية الخطأ في‏.‏ قال مالك‏:‏ والمغلظة على الجاني، وعنه‏:‏ على العاقلة ‏(‏يبدأ بمال الجاني، فإن لم يكن مال فالعاقلة، وقال محمد‏:‏ على العاقلة‏)‏ معجلة‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ عليها منجمة، ثم رجع فقال‏:‏ عليه معجلة، والعمد الذي لا قصاص فيه كقتل المسلم نصرانيا، على العاقلة على أحد القولين، وهل تكون منجمة أو حالة كالمغلظة‏؟‏

وفي الجواهر‏:‏ يحسب الحول من يوم الحكم، قال العراقي في تعليقه‏:‏ قال الأبهري‏:‏ من يوم القتل، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وبالأول قال ‏(‏ح‏)‏ كالعنين، ‏(‏ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في التنجيم في ثلاث سنين‏)‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إلى العطاء‏.‏ لنا‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها في ثلاث سنين، وقاله عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم من غير مخالف، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يحمل الغني نصف دينار ‏(‏والمتوسط ربع دينار،؛ ولأن الشرع أوجب على الغني في الزكاة نصف دينار‏)‏ ويناسب أن المتوسط نصفه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ من ثلاثة إلى أربعة؛ لأن هذا هو الذي لا يجب لنا على عدم التحديد‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحددها وكذلك أصحابه بعده رضي الله عنهم‏.‏

الركن السادس‏:‏ في تغليظها، في الموطأ‏:‏ أن رجلا من مُدلِج يقال له‏:‏

قتادة حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه ونزي في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له، فقال له‏:‏ اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة في بطونها أولادها، ثم قال‏:‏ أين أخو المقتول‏؟‏ فقال‏:‏ ها أنا ذا فقال‏:‏ خذها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس لقاتل شيء‏)‏ وفي التنبيهات‏:‏ المدلجي بضم الميم وكسر اللام، منسوب إلى بني مدلج، وسراقة بضم السين، وقديد بضم القاف ودالين مهملتين مصغر، وفي المنتقى‏:‏ إنما خص سراقة؛ لأنه سيد القوم، وهو يدل على وجوبها على العاقلة، أو لأنه هو الذي سأله عن القضية، فيلزم الأب بإحضارها من ماله، ولذلك وقع الخلاف في هذا، وقوله‏:‏ مائة وعشرين، يريد ليختار منها المائة‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ لا تغلظ الدية إلا فيما فعل المدلجي بابنه، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة فإنما تظهر معه الشبهة كما تقدم درءاً للقود، وغلظت الدية في ماله حالة، ولا يرث الأب في هذا من مال الولد لا من ديته شيئا؛ لأنه من العمد لا من الخطأ، والأم كالأب، ويغلظ على الحر كالأب، وإن قطع الأب شيئا من أعضاء الولد أو جرحه كمثل ما فعل المدلجي بابنه تغلظ فيه في ماله حالة، ولا تغليظ في أخ، ولا أخت، ولا زوجة، ولا زوج، ولا قريب غير ما تقدم، ولا في الشهر الحرام، ولا من قتل خطأ في الحرم، وتغلظ على أهل الذهب والورق فينظر كم قيمة أسينان الدية المغلظة، وقد تقدم بيانها وكم قيمة أسنان دية الخطأ وقد تقدمت، فإذا زادت المغلظة نظر كم ذلك من دية الخطأ، فإن كان ربعها، فله دية وربع، وكذلك غير الربع‏.‏

وفي النكت‏:‏ تقوم دية الخطأ ودية التغليظ على أهل الذهب على أنها حالة حاضرة؛ لأن الخطأ مؤجله، ولو رُوعي هذا لَروعي في المغلظة أنها على فقير أو ملي، تقوم على حالة فقره وملائه، ودية الخطأ مأمونة على العاقلة، فربما زادت قيمتها على

المغلظة للأمن، وإنما يعتبر حضور الجميع، قال ابن حبيب‏:‏ إن نزل هذا ببلد لا إبل فيه كالأندلس‏:‏ اعتبر أقرب البلدان إليهم‏.‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ إذا جرح الأب ابنه ما لا قصاص فيه على قول مالك، تغلظ عليه الدية؛ لأنه لا يورث بالتغليظ بدل الأب والأجنبي، يؤدب، وقال عبد الملك‏:‏ لا يغلظ عليه ‏(‏كالأجنبي، والتغليظ بدل القصاص لا بدل الأب، قال عيسى‏:‏ قال مالك‏:‏ يغلظ عليه‏)‏ ولست أرى ذلك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن وجب شبه العمد على أهل الذهب فثلاثة أقوال لمالك‏:‏ لا تغلظ، ورجع إلى أنها تغلظ وتقوم، كما قال في المدونة وعنه تلزمهم قيمة المغلظة ما بلغت ما لم تنقص عن ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، وقول المدونة أحسن؛ لأن قيمتها مطلقا قد تؤدي إلى سقوط التغليظ بأن تكون القيمة ألف دينار، واختلف في تغليظ العمد على أهل العين‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا تغلظ، وقال أشهب‏:‏ تغلظ وينظر إلى قيمة العمد من الإبل، وهي الأرباع من قيمة الخطأ، ويزاد ذلك الجزء، وعلى قول مالك في شبه العمد‏:‏ تجب قيمة ديته مطلقا‏:‏ تجب هاهنا قيمة العمد على ذلك الشرط، وعليه ما عليه‏.‏ قال في النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ تغلظ الدية على الأب، وأن الأب، والأم، وأم الأم، وقف عن أم الأب، وقال عبد الملك‏:‏ جميع الجُدود والجَدات مثل الأبوين، وقال أشهب‏:‏ أم الأب كالأم وأب الأم كالأجنبيين، واتفقوا في التغليظ في الجد والجدة للأب، واختلفوا في الجد والجدة من قبل الأم‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ كالأب، وقال أشهب‏:‏ كالأجنبي، والثابت عن مالك وأصحابه‏:‏ أن التغليظ في الجراح كالنفس إذا كانت مثل فعل المُدلِجي بابنه، وإن ذكر عنه غير ذلك، واتفقوا على أنه إنما ينظر في التقويم إلى ما زادت المغلظة على الخمسة كم هو وجزء منها ولا يجوز أن يقال كم هو جزء منها ولا يجوز أن يقال‏:‏ كم هو جزء من المغلظة، قال ابن القاسم‏:‏ نفس المغلظة على أهل الذهب أو الورق دية وثلث‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا قتل المجوسي ابنه لا تغلظ عليه الدية؛ لأنها ليست مستخرجة من دية، وأنكره سحنون وقال‏:‏ أصحابنا يرون التغليظ عليهم إذا حكم بينهم؛ لأن علة التغليظ سقوط القود‏.‏

فرع‏:‏

في المنتقى‏:‏ الجراح قسمان‏:‏ ما لا يقتص منها، كالجائفة وأختاها، قال سحنون‏:‏ لا تغلظ؛ لعدم القود فيها، والتغليظ بدله‏.‏ وعن مالك‏:‏ تغلظ قياسا على النفس، وما يقتص منه بين الأجانب إذا وقع من الاب على فعل المُدلجِي، فعن مالك‏:‏ تغلظ كالقتل، وإذا قلنا بالتغليظ، فعن ابن القاسم في الصغير والكبير، وعنه‏:‏ إذا بلغ ثلث الدية فأكثر، وإذا قلنا بتغليظها على أهل الإبل ففي تغليظها على أهل العين روايتان، وبه قال ابن القاسم‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا ‏(‏ح‏)‏ على أنها لا تغلظ للشهر الحرام، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ تُغَلظ‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ودية مسلمة‏)‏ ولم يفرق؛ ولأن الحدود لا تغلظ بالبقاع، فكذلك الدية‏.‏ احتجوا بأنه مروي عن عمر، وعثمان، وابن عباس، رضي الله عنهم‏.‏ وجوابه‏:‏ أن الكتاب والقياس مقدمان على قول الصحابي‏.‏

الأثر الثالث، المرتب على الجناية‏:‏ الحكومة، وهي الأرش غير المقدر‏.‏

ففي الكتاب‏:‏ إذا كُسرت التَّرقُوة خطأً ففيها الاجتهاد إذا برئت على عَثم، وإلا فلا شيء فيها، وكذلك اليد، والرجل ‏(‏وجميع عظام البدن إذا كسرت

خطأ فبرئت على غير عثم فلا شيء فيها، وكذلك اليد والرجل‏)‏‏.‏ في التنبيهات‏:‏ الحكومة فيما لا عقل فيه بما نقصه الجرح‏.‏ وتفسيره‏:‏ أن يقوم أن لو كان عبدا صحيحا ثم مجروحا، فللناقض على الفاعل بحسابه من ديته، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وفسره ابن ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بأنها اجتهاد الإمام، والتَّرقوة لفتح التاء وضم القاف غير مهموز، وهي العظم الذي أعلى الصدر المتصل بالعنق، وقد تقدم في الركن الثاني من الدية كثير من أحكامها وعدة مواضعها التي تجب فيها في خلال فترة الدية المقدرة من ضرورة تلك الفروع‏.‏

الأثر الرابع، المرتب على الجناية‏:‏ القيمة‏.‏

وفي الكتاب في عبد الذمي والمسلم قيمته وإن كانت أضعاف الدية، وفي مأموته أو جائفته ثلث قيمته، وفي منقلته عشر قيمته ونصف عشرها، وفي موضحته نصف عشر قيمته، وفي غير ذلك من جراحه ما نقص بعد بُرْئه‏.‏ وفي النُّكَت‏:‏ إنما فرق بين المأمومة، والجائفة، والمنقلة، والموضحة؛ لأن سائر الجراح إذا برئ بعضها بانت، وهذه إذا برئت لم تنقص شيئا ولو روعي حالة برئها سقطت الجناية، فإن برئت الجراح الأربع ‏(‏على شين، فهل يقوم بها، ثم بها وبالشين فيصرف الشين، فيعطى للسيد، أو يقوم سالما ليس به الجراح الأربع‏)‏ ثم يقوم وهي به مع شينها، فإن نقصه ذلك مثل الواجب في الجائفة وغيرها، أو أقل، فإن نقصه أكثر أعطى الموقت مع الزيادة‏.‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ هو أصوب من الوجه الأول‏.‏ وعن مالك‏:‏ لا يزاد للشين، وعن ابن القاسم‏:‏

يزاد بقدر الشين، ويحمل تحديد الشرع على غير الشين، وإنما نُسبت الجراحات الأربع لقيمته، كما تنسب إلى الحر في ديته فنُسبت ديةُ الحر إليه كقيمة العبد إليه‏.‏

فرع‏:‏

وفي النوادر‏:‏ إذا قطع يد عبد خطأ ثم عتق فقطع آخرُ رجله خطأ، ثم نزا فمات من الجرحين ‏(‏قال سحنون‏:‏ يُقسم ورثتُه كمات من الجرحين‏)‏ فيأخذوا دية حر من الرجلين النصف من عاقلته، كل واحد منهما في ثلاث سنين، فإن أبوا القسامة أخذوا من الثاني نصف الدية في ثلاث سنين، ومن الأول ما نقصه الجرح يوم الجناية وهو عبد، خالفنا ‏(‏ح‏)‏ في قيمة العبد وقال‏:‏ لا يزاد فيها على دية الحر‏.‏ لنا‏:‏ أنه مال متلف فتجب قيمته ما بلغت، كسائر الحيوان، وغيره احتج بأنه أدنى من الحر، والأدنى لا يزاد على الأعلى‏.‏ جوابه‏:‏ ما زيد من جهة أنه أدنى، بل من جهة أنه مال، وليس بين الحر وبينه في هذا قدر مشترك حتى يقال‏:‏ أدنى ولا أعلى‏.‏

الأثر الخامس، المرتب على الجناية‏:‏ غرة الجنين، ووافقنا فيه ‏(‏ش‏)‏ وأحمد، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا شيء فيه‏.‏ لنا‏:‏ ما في الصحيحين، ‏(‏أن امرأتين اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جَنِنِها عبدٌ أو أمة، وقضى بدية المرأة على عَاقِلَتِها وَوَرثها ولدها ومن معهم‏)‏ وعن عمر رضي الله عنهم أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شُعبة‏:‏ شهدتُ النبي لله قضى فيه بغُرّة عَبد أو أمة‏.‏ فقال‏:‏ لتأتيني بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة، احتجوا‏:‏ بأنه عضو

من أعضائها، ولو قطع يدها بعد موتها لم يلزمه شيء؛ ولأنه يجوز أن لا يكون من فعل الضارب بل من ألم موت أمه، فلا تعمر الذمة بالشك‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه ينتقض بما إذا ألقته حال الحياة لا يُعطي حكمَ عضوها اتفاقا، ولأنها لو استحق دمها لم تقتل حتى تضعه، بخلاف أعضائها‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الأصل‏:‏ إضافة الحكم للسبب الظاهر، وهو الضربة، والأصل عدم غيره، وفي هذا طرفان‏:‏

الطرف الأول‏:‏ في الموجب، وفي الجواهر‏:‏ هو جناية توجب انفصال الجنين ميتا في حياة أمه، قال الأستاذ‏:‏ الاعتبار في وجوب غُرّتِه بحياتها، وفي كمال ديته بحياته، فإن لم ينفصل حتى ماتت الأم فلا شيء فيه، وإن انفصل بعد موتها فكذلك‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إذا انفصل بعد موت الأم وجبت الغرة، وإن انفصل حياً فاستهلّ، والجناية خطأ، وتراخى الموت عن الاستهلال‏:‏ فالواجب الدية بقسامة، أو عقيب الاستهلال‏:‏ فقال أشهب‏:‏ لا يفتقر استحقاق الدية إلى قسامة لقرينة الفوت، وقال ابن القاسم‏:‏ لا بد من القسامة لاحتمال طريان سبب آخر، وإن كانت الجناية عمدا فمشهور مذهب مالك‏:‏ لا قود فيه؛ لأن موته بضربة غيره، وديته في العمد والخطأ على العاقلة‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ إن تعمد الجنين بضرب البطن أو الظهر أو موضع يرى أنه أصيب به، فالقود بالقسامة، وأما إن ضرب رأسها أو ثديها أو رجليها‏:‏ فالدية بقسامة‏.‏ قال‏:‏ وإن جرح رأس الجنين وماتت الأمم ففي الغرة قولان، وفي الكتاب‏:‏ إذا ضربت امرأة عمدا أو خطأ فألقت جنينا ميتا، فإن علم أنه حمل ولو مُضغَة أو علقة أو مصورا ذكرا أو أنثى، فالغرة بغير قسامة في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة، ولا شيء فيه حتى يزايل بطنها‏.‏ في النُّكَت‏:‏ إن خرج حيا ولم يستهل فقُتل فلا قَود، بل الغُرَّة، وعلى قاتله

الأدب، كما إذا ضرب بطنها فألقته ميتا ولم يتسهل صارخا؛ لأنه يقاد منه في الأجنبي‏.‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ إذا استهل الجنين المضروب خطأ فوجبت الدية ‏(‏بقسامة، فامتنعوا من القسامة، فلهم الغرة كمن قطعت يده ثم برأ منها فمات فلهم الدية‏)‏ بالقسامة؛ فإن أبوا فدية اليد أو الجرح، قال‏:‏ وهذا غير مستقيم، بل لا غرة؛ لأنه بالاستهلال صار من جملة الأحياء، وزالت ديتُه عن الغرة، فإن نَكَلوا فلا شيء لهم، قال ابن يونس الاستهلال‏:‏ الصياح دون العُطاس؛ لأنه يكون عن روح مختصة، وقال ابن وهب‏:‏ العُطاس والرضاع استهلال‏.‏

الطرف الثاني‏:‏ في الموجب‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ استحسن مالك الكفارة في الجنين‏.‏ وكذلك العبد والذمي فيهما الكفارة، وإن ضربها فماتت وخرج بعد موتها ميتا لا غُرة فيه؛ لأنه مات بموت أمه، وإن ضرب بطنها فألقت جنينا حيا ثم ماتت بآخر في بطنها ومات الخارج قبل موتها أو بعدُ فلا شيء في الذي لم يُزَايلها، والذي استهل فيه الدية بالقسامة، وإن لم يستهل فالغُرة‏.‏ وإن خرج الجنين ميتاً أو حياً فمات قبل موت أمه، وماتت بعده ورثته، وإن ماتت وقد استهل صارخاً ثم مات بعدها ورثها، وإن خرج ميتا ثم خرج آخر بعده حياً أو قبله، أو ولد أب ولد من امرأة أخرى فعاش أو استهل ثم مات وقد مات الأب قبل ذلك‏:‏ فللخارج حيا ‏(‏ميراثه من دية الخارج ميتا؛ لأن المولود إذا خرج حيا‏)‏ ورث أباه وأخاه الميت قبل ولادته، وإن ضرب الأب بطن امرأته خطأ فألقت

جنينا ميتا‏:‏ لم يرث الأب من دية الجنين شيئا، ولا يحجب وميراثه من سواه، وإن ضرب بطن امرأته خطأ فألقت جنينا فاستهل ومات، ففيه القسامة والدية، أو عمدا فالقود بالقسامة إن تعمد ضرب بطنها خاصة، ولا قسامة في الجنين الخارج ميتا؛ لأنه كرجل ضُرب فمات ولم يتكلم، وإن صرخ فمات فكالمضروب يعيش أياما ففيه القسامة لعله مات لعارض بعد الضربة، وإن ضرب مجوسي أو مجوسية بطن مسلمة خطأ فألقت جنينا ميتا حملته عاقلة الضارب، أو عمدا ففي مال الجاني، وفي جنين أم الولد من سيدها ما في جنين الحُرة؛ لأنه حر، وجنين الأمة من غير السيد ‏(‏عشر قيمة أمه، كان أبوه حراً أو عبداً؛ لأنه بنسبة الخمسين ديناراً إلى جملة الدية، واعتبر بالأم؛ لأنه كزوجها، وفي جنين الذمية عشر دية أمه، أو نصف‏)‏ عشر دية أبيه، وهما سواء، والذكر والأنثى سواء وإن أسلمت نصرانية حامل تحت نصراني، ففي جنينها ما في جنين ‏(‏أم الولد من سيدها‏)‏ النصراني وهو عشر دية أبيه، وإن استهل صارخا ثم مات حلف من يرثه يميناً واحدة ويستحقون الدية على من قتله؛ مسلما كان أو نصرانيا، وإن تزوج عبد مسلم نصرانية ففي جنينها ما في جنين المجوسي، وإن أسلمت مجوسية حامل تحت مجوسي، ففي جنينها ما في جنين المجوسي‏:‏ أربعون درهما؛ لأنه على دينه‏.‏ قال مالك‏:‏ والحُمران من العبيد أحبُّ إليَّ من السودان، فإن قَلُّوا بتلك البلدة فالسودان، والقيمة في ذلك خمسون أو ستماية

درهم، وليست للقيمة سنة مجمع عليها بل استحسان؛ لأنها نصف العشر، وهو أصل المقدرات في الموضحة، فإذا بذل الجاني عبدا أو ليدة جُبروا على أخذه إن شاءوا، أو خمسين أو ستمائة، وإلا فلا يجبرُوا، وليس على أهل الإبل في ذلك إبل، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغُرّة والناس يومئذ أهل إبل‏.‏

في التنبيهات‏:‏ الغرة لغة النسمة كيف كانت عبدا أو أمة، من غُرة الوجه كما تسمى ناصية ورأسا، وقد تكون من الحُسن، والإنسان أحسن الصور‏.‏ وقيل‏:‏ معناه‏:‏ الأبيض، قاله أبو عمر، ومنه غُرة الفرس، والغُرُّ المُحَجَّلون من آثار الوضوء، ويصلحُ أن يكون مستند مالك في اختياره الحُمران؛ لأنهم البيض، قال‏:‏ رويناه عبداً أو وليدة، بالتنوين وعدم الإضافة وهو الصواب، وأكثر الشيوخ رووه بالإضافة، قال اللخمي‏:‏ قال ابن فارس‏:‏ غُرّة كل شيء أكرمُه، والأحمرُ أكرم من الأسْوَد، ومقصود الحديث‏:‏ أعلى ما يرى للخِدمة لا للفراش؛ لأن المقصود تعويض نفس بنفس، وهو حكمة العشرة‏.‏ قال مالك‏:‏ وقيمة الخمسين وست المائة ليست سنة ثابتة، قال محمد‏:‏ كالسنة الثابتة، وهي على أهل الذهب خمسون دينارا، وعلى أهل الورق ستمائة ألف درهم، وعلى أهل الإبل خمس فرائض‏:‏ بنت مخاض، وبنت لَبون، وابن لَبون، وخَلِفة، وجَذَعة‏.‏ قال أشهب‏:‏ لا يؤخذ من البادية إلا الإبل‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ قولان، والذي في المدونة أنها ليست عليهم إبلاً، وأنكره محمد عليه، وقال‏:‏ لِمَ جعل على أهل الذهب الذهب، وعلى أهل الوِرق الوِرق‏؟‏ ومقتضى قول مالك وابن القاسم وأشهب‏:‏ أن

الجاني مخيَّر بين الغرة وعُشر دية الأم من كسبهم؛ كالدية، واعتباره القيمة‏:‏ خمسين أو ستمائة درهم مشكل؛ لأن الحديث جاء بالغُرة، وأثمان العبيد في البلاد تختلف وتتغير الأسواق بالزيادة والنقص، فإن وجدت بعشرين لم يكن أكثر من ذلك، أو بسبعين أُجْبِرَ على إحضارها، ولا يقبل منه خمسون؛ لأنه دون العشرة، وقوله‏:‏ له أن يأتي بالعين بدل الغرة مشكل؛ لأن الحديث إنما جاء بالغرة، واختلف في سبعة مواضع‏:‏ الدم المجتمع هل له حطمُ العلقة‏؟‏ وإن تحرك بعد الوضع، أو عطس، أو ارتضع ولم يستهل، هل فيه الغرة أو الدية‏؟‏ وإن استهل ومات بالحضرة، هل الدية بقسامة أو بغير قسامة‏؟‏ وهل في عمده إذا استهل قصاص‏؟‏ وإن خرج بعد موت أمه‏:‏ هل فيه غرة أو يبطل‏؟‏ وهل الغرة في مال الجاني أو العلقة‏؟‏ وهل أورثها الأبوان أم الأم وحدها‏؟‏

ففي المدونة‏:‏ في الدَّم المجتمِع‏:‏ الغُرة؛ لانتقاله عن النُّطْفَة، وخالفه أشهب، وقال مالك في المتحرك إن لم يستهل‏:‏ ليس بحي، قال ابن حبيب‏:‏ وإن أقام يتحرك ويفتح عينيه حتى يُسمع صوتا وإن خفي، وقال ابن وهب‏:‏ الرضاع كالصراخ يعتبر، وقيل‏:‏ تعتبر الحركةُ فقط، ومتى طال الرضاعُ لم يختلف فيه، وقال ابن القاسم‏:‏ إن استهل ومات بالحضرة لم يستحقَّ الدية إلا بقَسامة والقَود، وخالفَه أشهب في الوجهين، وقال ابن القاسم‏:‏ إذا طرح بعد موت الأم لا شيء فيه؛ لأنه مات بموتها، وعن مالك في المدونة‏:‏ لا تحمل العاقلةُ الغُرة كالموضحة بجامع العلة فيه، وعنه في غيرها تحملها كالدية؛ لأنها دية كاملة كدية المجوسي، فهي دية نفس، وقال مالك ميراثه من أبويه‏:‏ الثلثان والثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السُدس، والباقي لِلأب،

وأحد قولي ابن القاسم‏:‏ إنه للأم خاصة؛ لأنه خرج منها أو عضو، ولأن الحرة ولدُها من العبد حُر، وعكسه، وهو يرجح الأم في الولد، ولأن الغُرة عُشر قيمة الأم لا الأب، وإن مات قبل أن يبين ثمنها‏:‏ فلا شيء فيه، ومقتضى كونِهما شخصين‏:‏ أن فيه القيمة وإن لم يبق‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وهذا القول أبين‏.‏ وقال أشهب‏:‏ في ولد الذمية من العبد المسلم عُشرُ دية أمه، وترثُه أمه وإخوته لأمه‏.‏ قال محمد‏:‏ وهو غلط، لا شيء للأم، ولا للنصراني، ولا للعبد من دية المسلمين، بل من يرثه سِواهم من المسلمين، فإن لم يكن أحد فَبْيت المال، ويختلف الجنين باختلاف أحواله في الحرية والإسْلام، ففي جنين الحرة المسلمة من الحر المسلم غُرة، وكذلك والزوج عبد مسلم، وفي جنين الذمية النصرانية من النصراني غُرَّة دية أمه، كان الزوجُ حراً أو عبداً، فإن كان زوجها حراً مسلماً فغرة، أو عبداً مسلماً فَغُرة عند ابن القاسم؛ لأنه في حكم الحر من قِبَل الأم، وفي حكم المُسلم من قبل الأب، وعن أشهب‏:‏ عُشر دية أمِّه، وإن كان الزوجُ حراً نصرانياً فأسلم؛ ففيه غُرة، وإن لم يُسلم وأسلمت هي‏:‏ فقولان ‏(‏مبنيان على أن ولد النصرانية مسلم بإسلام الأم أم لا، وإن كان زوج النصرانية مجوسيا فقولان‏:‏‏)‏ أربعون درهما على حكم الأب، أو عُشر دية أمه، وفي جنين المجوسية من المجوسي أربعون درهماً؛ فإن كان الزوج نصرانيا‏.‏ فقولان‏:‏ نصف الغُرة على حكم الأب، وأربعون درهما على حكم الأم؛ فإن أسلم الأب فغُرة، كان الأب مجوسيا أو نصرانيا، واختلف إذا أسلمت الأم‏:‏ هل أربعون درهما على حكم الأب، أو غُرة على حكم الأم، وفي جنين الأمة من سيدها غُرّة، وفيه من غُرّة زوج حُر أو عبد أو كانت حاملا من زنا‏.‏ قال مالك‏:‏ عشر قيمتها، وابن وهب‏:‏ ما نقصها بناء على أنه من خراجها، قال ابن يونس‏:‏ قال

محمد‏:‏ إذا غلت الحُمران فالوسط من السودان، وقال‏:‏ ‏(‏ح‏)‏‏:‏ قيمة الغُرة خمسون ديناراً أو خمسمائة درهم؛ لأن الدية عنده عشرة آلاف، وأما ‏(‏ش‏)‏‏:‏ ‏(‏قيمة الغرة الدية عنده قيمة الإبل ما بلغت، فالغُرة عنده بنت سبع سنين أو ثمان؛ سالمة من العُيُوب؛ لأنها تستغني بنفسها دون هذا السن، ولا يفرق بينها وبين أمها، فإن لم توجد الغُرة هكذا فقيمتهُا، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ هي على العاقلة‏.‏

فرع‏:‏

في المنتقى‏:‏ إذا قلنا‏:‏ لا يجب فيه شيء إذا خرج بعد موتها فخرج بعضُه ثم ماتت، قال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ لا شيء فيه؛ لأنه لم يفارقها إلَّا بعد الموت، وقيل‏:‏ فيه غُرة مراعاة الابتداء‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ إن ألقت جنينين فغُرتان، وإن استهلا فديَّتان‏.‏

الأثر السادس المترتب على الجناية‏:‏ العفو، وفيه بحثان‏.‏

البحث الأول، في الصحيح منه والفاسد، وفي الكتاب‏:‏ للمقتول العفوُ عن قاتله عمدا، وكذلك الخطأ إن حمله الثلث، ومن قُتل عمداً وله إخوة وجد، فمن عفى منهم جازه، ولا عفو للإخوة للأم؛ لأنهم ليسوا عصبة، وإن ثبت العمد ببينة جاز عفو البنين على البنات؛ لأنهم أولوا النصرة، وليس لهن عفو ولا قيام، فإن عفوا عن الدية دخل النساء فيها على فرائض الله، وقضى منها ديته، وإن عفا أحد البنين سقط حظهُ من الدية، وبقيتها بين من بقي على الفرائض للزوجة وغيرها؛

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بِتَوْرِيثِ امرأة أشْيَمَ الضّبابي من ديَّة زَوْجِها، وكذلك في هذا إذا وجب الدم بقسامة، ولو أنه عفا عن الدية كانت له ولجميع الورثة على الموارث، وإن عفا جميع البنين فلا شيء للنساء من الدية؛ لعدم اعتبار من معهم، وإنما لهن إذا عفا بعض البنين، والإخوة والأخوات في درجة واحدة؛ كالبنين والبنات فيما تقدم، فإن كان الأخوات شقائق، والإخوة للأب فلا عفو إلا باجتماعهم؛ لأن الإخوة للأب معهن عصبة، وإن اجتمع بناتٌ وعصبة، أو أخوات وعصبة، قُدم الطالب للقتل؛ لأنه أصل العمد، ولا عفو إلا باجتماعهم لاختصاص كل من الفريقين نصفه نقص وكمال؛ إلا أن يعفو بعضُ البنات، وبعضُ العصبة أو بعض الأخوات وبعض العصبة، فيمتنع القتلُ، كعفو أحد الابنين، ولمن بقي الدية، فإن طلب بعض البنات القتل، وبعضُهن العفو، فإن عفا العصبة تم العفو، أو طلبوا القتل فذلك لهم؛ لأنهم أهل النصرة، وسقطت البنات لانقسامهن، وإن طلب بعض العصبة القتل، وعفا الباقي، امتنع القتلُ كأحد الابنين فإن اجتمع ابنة وأخت، فالبنت أولى بالقتل أو العفو؛ لأنه أقرب إن مات مكانه، وإن عاش وأكل وشرب فليس لهما أن يُقسما؛ لأن النساء لا يُقسمن في العمد، ويُقسم العصبة، فإن أقسموا وطلبوا القتل وعفت الابنة فلا عفو لها؛ لأن الدم ثبت بحَلِفهم، أو أرادت القتل خطأ وليس له إلاَّ ابنة وأخت أقسمتا وأخذتا الدية؛ لأنهما يحلفان في المال‏.‏ في النُّكت‏:‏ ‏(‏إذا استحق الدم رجال ونساء في الدرجة سواء، فلا مدخل للنساء في العفو ولا في القتل، والنساء أقعد‏)‏ فلا عفو إلا بالاجتماع، وإن كنّ ينْفَردن بالميراث، أو استُحق الدَّم بقسامة، فلا عفو إلا بالاجتماع من اللاتي هن أقرب من النساء اللواتي يرثنه ومن العصبة، ومتى استحق الدم ببينة فلا عفو للرجال ولا قتل، قال ابن يونس‏:‏ قال

ابن القاسم‏:‏ أولى الأولياء‏:‏ الأولاد الذكور، ولا حق للأب والجد معهم في عفو ولا قيام، ‏(‏وإن كان من الأب والجد بنات، فلا عفو لهن إلا به‏.‏ ولا له إلا بهن، ولا حق للأم مع الأب في عفو ولا قيام‏)‏ ولا حق للإخوة والأخوات مع الأب في عفو ولا قيام، والأم والإخوة لا عفو لهم إلا بها، ولا لها إلا بهم، والأم والأخوات والعصبة إن اجتمعت الأمُّ والعصبةُ على العفو جاز على الأخوات، وإن عفا العصبة والأخوات فللأم القيام، والأم والبنات والعصبة إن عفا البنات والعصبة جاز على الأم، أو الأم والعصبة لم يجُز إلا بعفو البنات؛ لأنهن أقرب‏.‏ وقال أشهب‏:‏ ليس للجد مع الإخوة عفو ولا قيام ولا مع ابن الأخ كالولاء‏.‏ قال عبدُ الملك‏:‏ إن كان له ابن عبد فعتق بعد القتل فلا مدخل له مع الأولياء في دم ولا ميراث، ولو ألحق بأبيه بعد القتل لدخل في الميراث، وضابط هذا الباب‏:‏ أنه متى كانوا رجالا في القُعدُد سواء قدم الداعي للعفو أو بعضهم أقرب، فلا قول الأبعد في قول ولا قيام، أو رجالا ونساء في القُعدُد سواء فلا قول للنساء في قتل ولا عفو، والنساء أقرب، فلا عفو إلا باجتماعهم‏.‏ وإن أسلم ذميٌّ أو رجل لا تُعرف له عصبة فلبناته أن يقتُلن، فإن اختلفن في العفو والقتل اجتهد الإمام، وإن قتل ابنُ الملاعنة ببينة فلأُمه القتلُ‏.‏ وعن مالك في أم وأخ وابن عم، عفت الأم فلا عفو لها دونها، والجد للأب أو الأم لا يجري مجرى الأم في عفو ولا قيام‏.‏ قال اللخمي‏:‏ اختلف في الذين هم سواءٌ في القُعدُد إذا بعدوا؛ كالأعمام أو بني الأعمام‏:‏ فعن مالك وابن القاسم‏:‏ يقدم العامي كالبنين والإخوة، وعن مالك‏:‏ لا بد من اجتماعهم؛ لضعف الحمية بسبب البُعد، والإخوة وبنوهم أحق من الأعمام، فإن كان أحدهم أخا لأم هو كأحدهم عند ابن

القاسم، وقال أشهب‏:‏ هو أحق؛ لأنه أقعد بالأم، والقولان جاريان في الولاء، والرجلُ من الفخذ أو القبيل لا يعلم قعدده ولا ميراثه، ليس له قيام ولا عفو، ويقدم النسب على الولاء في القيام والعفو، فإن لم يكن نسب فالمولى الأعلى، فإن لم يكن فالسلطان دون المولى الأسفل، واختلف عن مالك في النساء؛ فعن مالك‏:‏ لا مدخل لهن، والمعروف عنه لهن وعليه هن ثلاث‏:‏ البنات، وبنات الابن وإن سفُلن، والأخوات دُون بنيهن، وفي الأم قولان‏:‏ فمالك‏:‏ لها القيام، ومنعه أشهب، ولا قيام لها مع الولد، ولا مع الإخوة، ولا مع السلطان، ولا قيام لبني من ذكرنا، والبنات أولى من بنات الابن، وقدم ابن القاسم البنات على الأخوات‏.‏ وقال أشهب‏:‏ الأخوات عصبة البنات فلا عفو إلا بالجميع‏.‏ وعلى قول ابن القاسم‏:‏ بنات الابن أولى النساء، لا تسقط الأم إلا مع الأب والولد الذكر، فعلى هذا لا بد من الجميع في العفو، وإذا اجتمع النساء والرجال فثلاثة أحوال‏:‏ من أقرب، أو أبعد، أو في درجة، فأبعد كالبنين وبنات الابن أو بني الابن والأخوات فيسقط النساء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن ادعى القاتل أن الولي عفا فله تحليفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل، أو ادعى بينة غايبة على العفو‏:‏ تلوم له، وإن كان الأولياء أولادا صغارا وعصبة، فللعصبة أن يقتلوا أو يأخذوا الدية ويعفون، ويجوز على الصغار؛ لعدم أهليتهم، وليس لهم العفو على غير مال لحق الصغار في المال، وكذلك من وجب لابنه الصغير دم عمد وخطأ لم يجز عفو الأب إلا على الدية لا أقل منهم، فإن عفا في الخطأ وتحمل الدية جاز في الملي، وإلا فلا يجوز عفوه، وكذلك العصبة، وإن لم يكونوا أوصياء له، وإن جُرح الصبيُّ عمدا وله وصي أو ولي، فللوصي أن يقتص له، وأما إن قُتل فَوُلاتُه أولى؛ لِذهاب الوصية بفَوات المحل، ولا يعفو الأبُ عن جرح ابنه

الصغير إلا أن يعوضه من ماله، ولا يعفو الوصي في ذلك إلا على مال على وجه النظر، والعمد والخطأ سواء، ولا يأخذ الأب أو الوصي أقل من الأرش إلا أن يكون الجارح عينا فيرى الأب أو الوصي من النظر صلحه على أقل من الأرش، وإن قتل الصغير الصغير عبدا عمدا، فأحب إلي أن يختار أبواه أو وصيه أخذ المال؛ إذ لا نفع له في القصاص، وإن عفا المقتول خطأ من ديته حاز في ثلثه، وإن لم يكن له مال، وأوصى مع ذلك بوصايا تحاصت العاقلة وأهل الوصايا في ثلث ديته، وتورث الدية على الفرائض، إلا أن يكون عليه دين فهو أحق‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إن ادعى عليه العفو استحلفه يمينا واحدة‏.‏

البحث الثاني، في أحكام العفو‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن عفا عنه سقط القتل، وضُرب مائة، وحُبس عاما، كان القاتل رجلا أو امرأة، مسلما أو ذميا، والمقتول مسلم أو ذمي، حر أو عبد لمسلم أو ذمي، حر أو عبد، وكذلك العبد يقتل وليك عمدا، فيعفو عنه على أن يأخذه يضرب مائة ويحبس عاما، وإن عفوت عنه ولم يشترط فكعفوك عن الحُر، ولا يشترط الدية، لا شيء لك إلا أن يتبين أنك أدركتهما، فتحلف بالله أنك ما عفوت إلا على أخذها، وكذلك في العبد، لا بد أن يعرف أنك عفوت لتسترقه، فذلك لك، ثم يخير سيده؛ لأن العفو ظاهر في السقوط مطلقا، وإن عفوت على أن تأخذه رقيقا وقال سيده‏:‏ إما أن تقتله أو تدعه، فلا قول له، والعبد لك؛ لأنك استحققته بدم وليك إلا أن يشاء سيده دفع الدية إليك ويأخذه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أصبغ‏:‏ لا يحبس العبدُ ولا الأمة، بل يجلدان كالزنا لحق الزوج والسيد، وقوله في العبد‏:‏ ذلك لك ويخير سيد، هذا إذا ثبت قتلُه بالبينة، فإن كان بإقرار العبد فليس له استجبارُهُ على أخذه إلا أن يقتله أو يَدَع، للتهمة في الانتقال إليك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ اختلف في العبد إن كان هو القاتل كما تقدم، والنصراني إن كان المقتول‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ إنما عليه الأدب

دون الحبس والضرب، وفي الكتاب‏:‏ إن صُولح قاتل العمد على أكثر جاز؛ لأنه فداء، وإن بقيت مهملة ففي مال القاتل مربعة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ قاتل العمد إذا طُلبت منه الدية فأبى إلا أن يقتلوه ليس لهم إلا القتل؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏كتب عليكم القصاص في القتلى‏)‏، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏العمد قود‏)‏ وإن عفا بعضهم، فنصيب غير العافي في مال الجاني؛ لتعذر تبعيض القتل، وإن طلبوا في جرح العمد الدية فليس لهم إلا القصاص إذا امتنع الجاني‏.‏ وقاله ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ ليس له الامتناع؛ لأنه يجب عليه حفظ نفسه، ويُجبر على ذلك ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏مَن قُتِل لهُ قَتِيلٌ فَأهلُهُ بخَيْر النظرين إن أحَبُّوا قَتَلُوا، وإن أَحَبّوا أخَذُوا الدِّيَّةَ‏)‏ قال سحنون‏:‏ إن عفا عن نصف الجرح وأمكن القصاص من نصفه اقتص، وإن تعذر فالخيار للمجروح إن اختار ذلك أدى نصف عقل الجرح، وإن أبى قيل للمجروح‏:‏ إما أن يعفو وإما أن يقتص‏.‏ وقال أشهب‏:‏ يجبر على أن يعقل له النصف‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ في موجب العمد روايتان‏:‏ رواية ابن القاسم‏:‏ القود، ورواية أشهب‏:‏ أحدهما؛ فإن عفا الولي عنهما‏:‏ صح، أو عن الدية‏:‏ فله القصاص، أو قال‏:‏ اخترت الدية، سقط القود، أو اخترتُ القود لم يسقط اختيار الدية، بل له الرجوع إليها‏.‏ وعلى رواية ابن القاسم وهي المشهورة‏:‏ إن عفا على مال ثبت المال إن وافق الجاني، وإن مات قبل الإقباض ثبت المال، وإن عفا مطلقا سقط

القصاص والدية، وللمفلس العفو عن القصاص دون الدية؛ لأنه ليس بمال، وإن كان الوليان مفلسين فعفا أحدهما، صح الأول دون الثاني إلا فيما زاد على مبلغ ديته‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا أشهد أنه إن قتله فقد وهبه دمه، فالأحسن أنه يقتل؛ لأنه إسقاط ما لم يجب، كالشفعة قبل البيع، قاله ابن القاسم، وفيه خلاف، وإن أذن له أن يقطع ففعل، لم يكن عليه سوى العقوبة، وإن عفا عن جرحه العمد فنزى فيه فلأوليائه أن يُقسموا ويَقتُلوا؛ لأنه لم يعف عن النفس‏.‏ قال أشهب إلا أن يقول‏:‏ عفوتُ عن الجرَح وعَمَّا يسري إليه وإن صالحه عن موضحة على مال فمات منها، فللولي القسامة والقتل في العمد، والدية في الخطأ على العاقلة، ويردوا ما أخذوا لهم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن ادَّعى القاتلُ على رب الدم العفو، فله تحليفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل يمينا واحدة؛ لأنها المردودة، فيبرأ وإن ادَّعى بينة قريبة تُلَوّم له الإمام‏.‏ قال أشهب‏:‏ لا يمين على ولي الدم؛ لأنها لا تكون في استحقاق الدم إلا خمسين يمينا، وهذا أحسن بل أن يوجب عليه قسامة مع البينة أو مع قسامة أخرى قد كانت، وإن قال القاتل‏:‏ تحلف لي يمينا واحدة، لم يكن ذلك له؛ لأنه لو استحلفه فلما قُدم للقتل قال‏:‏ يحلف لي‏:‏ ما عفا عني لم يكن له ذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن قتل أحد الابنين أباه‏.‏ وقتل الآخر أمه، فلا قصاص عليهما، ولكل واحد قتلُ الآخر؛ لأن أحدهما ورث إياه، والآخر ورث أمه فإن بارد أحدهما وقتل الآخر استوفى حقه، ولورثة المقتول أن يقتلوا القاتل كمورثهم، فإن تنازعوا في التقديم أيّهُما يقتل أولاً اجتهد السلطان، وإن عفا كل واحد عن صاحبه، وجب لأحدهما دية أبيه وللآخر ديةُ أمه، وقال سحنون‏:‏ يعفي عنهما جميعا؛ لأنا إن قتلنا أحدهما ورث الآخرُ الدم فلا يقتل، وكل واحد منهما يقول‏:‏ يقتل قبلي حتى لا أقتل أنا، فلا بد من العفو عنهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ أربعة إخوة قَتَل الثاني الكبير، ثم قتل الثالث الصغير، وجب القصاص على قاتل الصغير؛ لأن الثاني لما قتل الكبير، ثبت القصاص عليه للثالث وللصغير، فلما قتل الثالث الصغير ورثه الثاني وحده، فورث ما كان له عليه من القصاص فسقط وسقطت حصة الشريط إلى نصف الدية، وكان له قتل الثالث بالصغير، وإن عفا كان له عليه الدية يقاصه بنصفها‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إن فوض أمر دمه لوكيله فعفا، وامتنع الولي أو العكس أو ثبت الدم ببينة قُدم الوكيل في العفو والقتل؛ لأنه خليفة الأصل ارتضاه لنفسه، كالوصي، أو بقسامة، فالولي؛ لأن الدم ثبت بقسامتهم، وإن قال عند موته‏:‏ لا يعفى

عن قاتلي، والدم ببينة، فلا عفو للأولياء؛ لأنه منع منه، أو بقسامة فلهم العفو‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا عفا أحد الأولياء في العمد، ضمن للباقيين نصيبهم من الدية‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا قالوا‏:‏ إنما عفونا على الدية فذلك لهم إن كان بالحضرة وإن قال فلا‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إن تاب وعرض نفسه على الأولياء فامتنعوا خشية الوالي، فعرض الدية فامتنعوا أحب إلي أن يؤدي ديته إليهم، ويعتق الرقاب، ويتقرب بالدعاء والرغبة إلى الله تعالى، ويحج، ويكثر من العمل الصالح ما استطاع، ويلحق بالثغور، ويتصدق بما قدر عليه ويتعرض للعدو عساه أن يقتل في سبيل الله تعالى، قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إن قبلت دية العمد ورثت على كتاب الله تعالى النساء وغيرهن إلا القاتل، وكذلك لا يرثه الأب إذا فعل فعل المُدلجي بابنه‏.‏

قاعدة‏:‏ التقادير الشرعية‏:‏ إعطاء الموجود حكم المعدوم، وإعطاء المعدوم حكم الموجود، فالأول‏:‏ كتقدير الملك الموجود من دم البراغيث اليسير ونحوه، والمنافع الكائنة في المحرمات والعقود الماضية إذا تعقبها الفسخ، يُقدر ذلك

معدوما لم يكن مع أنه كان‏.‏ والثاني كتقدير الملك المعدوم في الإعتاق عن الغير، فإن ثبوت الولاء للمعتق عنه‏.‏

فرع‏:‏

ملكه، ولا ملك، فيقدر الشرع ملكه قبل العتق بالزمن المقدر، وكذلك الدية في العمد والخطأ توريثُها‏.‏

فرع‏:‏

ملك المورث لها، ولم يملكها في الحياة؛ لأنه مالك لنفسه حينئذ، فلا يجمع له بين العوض والمعوَّض، وملكها بعدُ متعذر لعدم أهليته، فيقدر الشرعُ ملكه له قبل موته بالزمن الفرد ليصح التوريث، وقد ورد به حديث امرأة أشيم الضبابي كما تقدم فيتعين التقدير‏.‏

الأثر السابع المرتب على الجناية‏:‏ الكفارة‏.‏ وأصلها قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله - إلى قوله تعالى‏:‏ فصيام شهرين متتابعين‏)‏ الآية، وفي الجواهر‏:‏ كل حُرٍّ مُسلم قَتَل حُرًّا مسلمًا معْصومًا خطأ فعليه تحريرُ رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا عقد حرية كما تقدم في الظهار، فإن لم يجد‏:‏ فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع انتظر القدرة على الصيام، أو وجود الرقبة، ولا إطعام فيها لعدمه في الآية، وتجب في مال الصبي والمجنون؛ لأنه من باب الإتلاف، ولا تجب في قتل الصائل؛ لأنه مباحُ الدم، ولا على من قتل من نفسه لعظم جريمته، وثبتت في شبه العمد على الرواية المُثبتةِ له، ويستحب في العبد والذمي لقصورهما عن الحر المسلم، وفي العمد إذا عفا عنه؛ لأن العمد أعظم من أن يسيره كفارة

الخطأ، والشريك في القتل عليه كفارة كاملة، ولا تجب في الجنين حيث الغُرة‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ هي مستحبة فيه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال مالك إن سقت ولدها دواء فشرق فمات‏:‏ الأحسن الكفارة عن غير وجوب، وكذلك الطبيب يسقي الدواء فيموت المريض‏.‏ وفي النوادر‏:‏ إن قتل جماعة رجلا خطأ‏.‏ قال مالك‏:‏ على كل واحد كفارة، وإن دفع دابة لصبي يمسكها فقتلته‏.‏ فعلى عاقلته الدية ولا كفارة عليه؛ لأن الكفارة فيما خرج عن يده من عمد أو خطأ، وكذلك بئر يحفرها حيث لا يجوز له، أو يربط دابة بموضع لا يجوز له، فالدية دون الكفارة، ومن أمر رجلا أن يضرب عبده أو أعانه على ضربه فمات فلا ضمان، وليكفر‏.‏

تنبيه‏:‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا تجب في قتل العمد كملك، وقال‏:‏ تجب في الخطأ وشبه العمد، وخالفنا في العبد والجنين والذمي فأوجبها‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجب في كل آدمي معصوم الدم عمدا أم لا، مسلما أم لا، حرا أم لا، أو أجنبيا‏.‏ لنا في العمد‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏)‏ وهو اعتدى بالقتل فلا يلزمه غيره ونظائره، ومن أقواها قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا‏)‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن يقتل مؤمنا متعمدا‏)‏ الآية، فإن جزاء الشرط كاف في الترتب على ذلك‏.‏ فلا تلزم الكفارة، ومفهوم آية الخطأ يقتضي عدم الكفارة في العمد، كما اقتضى عدم الدية؛ ولأن الكفارة وضعها الستر،

وسائر الأدنى الذي هو الخطأ لا يصلح لستر الأعلى الذي هو العمد؛ ولأنه معنى يوجب القتل فلا يوجب الكفارة كالردة والزنا؛ لأن الكفارة لا تسقط أثم الكفر فما دونه غير ما أجمعنا عليه، فنقيس عليه‏.‏ احتجوا بما روى وثلة بن الأسقع قال‏:‏ أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد استوجب النار، فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار‏)‏ وقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أعتق عن كل موءودة رقبة‏)‏ والقياس على قتل الخطأ بجامع الدم المعصوم، وبالأولى؛ لأن الكفارة لتكفير الذنوب، وهي في العمد دون الخطأ، ولأنه دم معصوم فيستوي عمده وخطؤه كالسيد‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المحفوظ استوجب النار ولم يذكر القتل، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها عليهم لا عليه، وأنتم لا تقولون به‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن المشركين إذا قتل بعضهم بعضا لا كفارة اتفاقا، فما دل عليه لا تقولون به، وما تقولون به لم يدل عليه‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق، أن العمد أعظم إثما فلا يستره سائر الخطأ‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن ذلك من الجبر، والجابر يستوي فيه العمد والخطأ كالأموال، والكفارة هاهنا لا تجبر على المقتول شيئا، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في إيجابها في مال المجنون والصبي، وزاد وجوبها على الذمي، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا

يجب إلا على مكلف‏.‏ لنا‏:‏ آية الخطأ‏.‏ وهي عامة‏.‏ احتجوا بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏رُفعَ القَلَمُ عن ثلاثة‏)‏ فذكر الصبي والمغمى، وقياسا على الصوم فإنه لا يكفر به، وهو إحدى جُزئي الكفارة، أو واجب فلا يتوجه عليه كالصوم والصلاة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المراد الإثم، ونحن لا نؤثمه إذا لم يفعل،بل نخرجه من ماله كجزاء الصيد، وقيمة المتلف‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الصوم عبادة بدنية تتوقف على التكليف وصحة القصد، والعتق مال يمكن للولي إخراجه‏.‏

وعن الثالث‏:‏ جواب الثاني، فأوجب ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ الكفارة في الجنين والعبد‏.‏ لنا‏:‏ أن الله تعالى في الآية إنما أوجب الكفارة في قتل النفس الموصوفة بالإيمان، والجنين ليس بمؤمن، والعبد يباع فلا تجب به؛ كالعُروضِ والبهائم‏.‏ احتجوا بأن الآية تناولت المؤمن، والعبد مؤمن، والذمي مؤمن فتجب فيه كالحر، والإشارة في الجنين إلى أنه هل هو كعضو من أمه‏؟‏ ولذلك لا يغسل ولا يصلى عليه، والأعضاء لا كفارة فيها، أو يلاحظ أنها نفس وروح‏.‏ لنا‏:‏ أن الأصل براءة الذمة، ومفهوم أنه القتل‏.‏ احتجوا‏:‏ بأنه يضمن بالغُرة بالكفارة كالكبير‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن المراد الحُر لذكر الدية، والعبد لا دية فيه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن ضمانه كضمان الجراح المقدرة ولا كفارة فيها‏.‏ ولنا في الدين أنها عبادة تفتقر إلى النية فلا يصح منه كالصلاة‏.‏ احتجوا بالقياس على القصاص والدية بجامع كونها آثار الجناية‏.‏ والجواب‏:‏ شائبة العبادة تمنع من ذلك وهي الفرق‏.‏

الأثر الثامن المترتب على الجناية‏:‏ التعزير، وله صفةٌ ومحل‏:‏ أما صفته‏:‏ ففي الجواهر‏:‏ يضرب مائة ويحبس سنة؛ لأنه اللازم في زنا البكر بدلا عن قتل الثيب بالحجارة، وهو إنما يتجه فيمن اندفع عنه ٍٍالقتل‏.‏ وأما محله‏:‏ ففي الجواهر‏:‏ كل من قتل عمداً إذا لم قتل كقاتل من لم يكافئه كالمسلم يقتُل الكافر، والحر العبد، أو عفا عنه من القصاص، والعبد يقتل العبد، فيعفي عنه ويسجن، وقال أصبغ‏:‏ لا يُحبس العبدُ ولا الأمة كالزنا، وكجماعة أقسم عليهم فقتل أحدهم بالقسامة، فيضرب بقيتُهم ويحبسون‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏